بعد نيف عشرين عاما من سقوط الطاغية مازال الطريق طويلا للوصول الى حالة السعادة التي يفترض ان توفرها الدولة الحضارية الحديثة للإنسان، بما هي دولة الانسان، لكن هذا شيء، والفرحة الدائمة بسقوط الطاغية شيء اخر. لولا سقوطه لما كان بإمكاني كتابة هذه السطور وانا اشعر بالأمن...
بالنسبة لي، مثل سقوط الطاغية في ٩ نيسان يوم عيد وفرح. اذا كان اخرون يشعرون بشيء مخالف فهذا شأنهم. ليس من شأني ان امنعهم من الحزن، وليس من شأنهم ان يخربوا عليّ فرحتي المتجددة كل عام. دعوني وشأني وفرحي، واحزنوا انتم كيفما شئتم.
فرحت جدا في ٩ نيسان لأنه اليوم الذي مثل عندي تحرر العراق والعراقيين وانا منهم من نير طاغية نيروني حكم العراق بالحديد والنار. وشمل طغيانه حتى البعثيين من العراقيين حيث اعتقل وقتل المئات منهم مثل عبد الخالق السامرائي ومحمد محجوب واخرين غيرهما.
فرحت جدا حينما سقط الصنم لان ذلك كان ايذانا بنهاية غربة استمرت ٢٧ عاما قضيتها متنقلا بين بلدان المنافي حين اصبح البقاء في العراق بالنسبة لي مستحيلا بعد اعتقال مسؤولي الحزبي الشهيد جواد سلوم واعتقال عدد اخر من الدعاة في اطار الحملات الهمجية التي كان نظام البعث يشنها ضد حزب الدعوة الاسلامية وبقية المعارضين.
ظننت ان سقوط الطاغية سوف يكون بداية تحقق الحلم الذي كنت اعيشه منذ سنوات طويلة؛ حلم الحرية والعدل والحداثة والتقدم. تحقق حلم الحرية منذ الايام الاولى بلا شك. والحرية قيمة عليا تأتي في مقدمة منظومة القيم الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. وكما لا يعيش الانسان بالخبز وحده، فانه لا يعيش بالحرية وحدها. لابد من توفر بقية العناصر.
وهنا بدأت الفرحة تتشقق حين بدأ الفساد ينتشر في اروقة الدولة المختلفة، وحين تراجع مفهوم المواطنة، وتطبيق القانون، والنزاهة، والشفافية، وغير ذلك.
بعد نيف عشرين عاما من سقوط الطاغية مازال الطريق طويلا للوصول الى حالة السعادة التي يفترض ان توفرها الدولة الحضارية الحديثة للانسان، بما هي دولة الانسان.
لكن هذا شيء، والفرحة الدائمة بسقوط الطاغية شيء اخر. لولا سقوطه لما كان بامكاني كتابة هذه السطور وانا اشعر بالامن.
اضف تعليق