لم يكن سقوط "سيف العرب البتار" كما أحب أن ينعته أنصاره، مجرد رمز لانهيار نظام، بل كان إعلاناً لنهاية أسطورة "بطل القومية العربية" الذي ادعى لسنوات أنه حامي الأمة العربية وحارس بوابتها الشرقية، بينما الحقيقة أنه كان قويا على الضعفاء من شعبه جبانا أمام أعدائه. الأكثر إهانة في...

في التاسع من أبريل/نيسان 2003، سقط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد، وتم سحله في الشوارع من قبل المئات من العراقيين، ليسقط معه أحد أكثر الأنظمة دموية في التاريخ الحديث. 

لم يكن سقوط "سيف العرب البتار" كما أحب أن ينعته أنصاره، مجرد رمز لانهيار نظام، بل كان إعلاناً لنهاية أسطورة "بطل القومية العربية" الذي ادعى لسنوات أنه حامي الأمة العربية وحارس بوابتها الشرقية، بينما الحقيقة أنه كان قويا على الضعفاء من شعبه جبانا أمام أعدائه.

الأكثر إهانة في هذا السقوط لم يكن هزيمة الجيش العراقي الذي تكررت هزائمه منذ أن تربع على عرشه أول ضابط دمج في العراق اعطى لنفسه رتبة مهيب ركن وهو لم يكمل الدراسة الإعدادية!

بل المشهد الأكثر إهانة من كل تلك الهزائم أن يتوارى المهيب الركن و"الرجل الذي لا يُهزم" في حفرة ضيقة كالفأر، بعد أن استأسد على شعبه لعقود!

لطالما ردّد صدام مقولته الشهيرة "ياحوم اتبع لو جرينه"، في إشارة الى انه يقود العراقيين الى الانتصارات. لكن الحقيقة التي حاول تغطيتها بالشعارات والرقص والاناشيد البائسة هي انه تعامل مع العراقيين بعدم اكتراث وقادهم من كارثة الى أخرى.

عاش العراقيون تحت حكم البعث كابوساً لا ينتهي، سجون مثل أبو غريب وقصر النهاية تحولت إلى مسالخ بشرية، إعدامات جماعية لأتفه الأسباب، وحروب عبثية دمّرت البلاد. 

من حرب الثماني سنوات مع إيران التي ذهب ضحيتها مليون شخص وخسائر بآلاف المليارات، إلى غزو الكويت الذي حوّل العراق إلى دولة منبوذة فقيرة، ثم الحصار الذي جعل العراقيين وأطفالهم يموتون من الجوع!

كان يصف أعداءه بالخسة وهو يذيل بياناته وخطاباته قائلاً "وليخسأ الخاسئون"، لكن التاريخ سجل أن الخاسئ الكبير كان هو! 

الرجل الذي طالما صور نفسه خليفة لصلاح الدين، انتهى به المطاف في حفرة نتنة، ثم على حبل المشنقة.

 لقد ترك وراءه بلداً محطما، بعد أن كان من أكثر دول المنطقة ازدهاراً، فالعملة العراقية قبل حكم حزب البعث كانت تساوي ثلاثة دولارات والتعليم مجانياً، وبعد حكم البعث المشؤوم تحول العراق الى أمة مفلسة، مديونة، انهار دينارها ليصبح ألفي دينار مقابل الدولار الواحد!

ولم يكتف حزب البعث بما سببه من دمار وموت للعراقيين، بل استمر في عادته في التخريب والقتل حتى بعد سقوطه في 2003، لأنه في الحقيقة لم يكن حزبا سياسيا أنما عصابة من المرتزقة الطائفيين حوّلوا العراق إلى مسلخ بشري.

فبعد السقوط، سعت بقايا البعث لإشعال الفتنة بتفجيرات في الأسواق والمدن والمزارات الشيعية. لكن إرادتهم انكسرت أمام إصرار العراقيين على بناء مستقبل جديد. وها هو العراق اليوم، رغم كل التحديات، ينهض من تحت الأنقاض.

وتكفي نظرة محايدة منصفة لاكتشاف حجم التحول الإيجابي الذي شهده العراق منذ إزاحة الكابوس البعثي عن صدره.

ومن أبرز إنجازات هذا التحول هو النظام الديمقراطي الذي يمكن العراقيين من اختيار ممثليهم، كما ظهرت عشرات وسائل الإعلام المستقلة بما في ذلك الصحف والقنوات التلفزيونية مما ساهم في تعزيز التنوع الإعلامي وحرية التعبير.

 وأصبح بإمكان المواطنين التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من القمع أو العقوبات وهو تغيير جذري مقارنة بفترة حكم صدام.

 بالإضافة إلى حرية السفر حيث أصبح بإمكان العراقيين السفر إلى الخارج دون الحاجة إلى إذن أمني مما فتح الأبواب أمامهم للتواصل مع العالم الخارجي وبدأت مشاريع لإعادة بناء البلاد وتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والتعليم

أما في زمن صدام فعاش العراقيون تحت حكم دكتاتوري قمعي حيث كانت الحرية الفردية مقيدة بشكل كبير وواجه المواطنون السجن أو الإعدام لأبسط الاعتراضات.

 كما دُمرت البنية التحتية بسبب الحروب المتكررة والعقوبات وعانى الشعب من الفقر ونقص الخدمات الأساسية.

في النهاية، يمثل سقوط نظام صدام حسين صفحة مفصلية في تاريخ العراق الحديث، حيث أنهى عقودًا من القمع والحروب التي أنهكت الشعب وأثقلت كاهله. 

ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها العراق بعد السقوط، فإن خطوات بناء نظام ديمقراطي وتحقيق حريات جديدة تمثل بذور أمل لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. 

يبقى الطريق طويلًا، لكن إرادة العراقيين في النهوض تجعل من التحديات فرصة لبناء وطن يليق بتضحياتهم.

اضف تعليق