ما بعد العلمانية تشير إلى مرحلة أو حالة حيث يعود الدين أو يظهر بأهمية أكبر في المجال العام بعد فترة من الهيمنة العلمانية أو تهميش الدين. تؤكد هذه الظاهرة على أهمية الدين الروحية والأخلاقية في المجتمع حتى في ظل وجود دولة علمانية...

مصطلح "ما بعد العلمانية" (Post-Secularism) يعد تطورًا فكريًا نشأ في الأدبيات الفلسفية والاجتماعية في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، المفكر الاجتماعي والفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يعتبر من أبرز من ساهموا في تطوير هذا المفهوم في الأدبيات الأكاديمية، خاصة بعد كتاباته في أواخر التسعينات ومطلع الألفية الجديدة.

ما بعد العلمانية تشير إلى مرحلة أو حالة حيث يعود الدين أو يظهر بأهمية أكبر في المجال العام بعد فترة من الهيمنة العلمانية أو تهميش الدين. تؤكد هذه الظاهرة على أهمية الدين الروحية والأخلاقية في المجتمع حتى في ظل وجود دولة علمانية.

بينما تسعى العلمانية للفصل بين الدين والدولة وتعتبر الشؤون الدينية مسألة شخصية، ما بعد العلمانية تعترف بالدور الحيوي للدين في الشؤون العامة وقدرته على المشاركة في الحوارات الاجتماعية والسياسي، وهذا يعني ان مصطلح ما بعد العلمانية يتبنى موقفًا إيجابيًا تجاه الدين باعتباره قوة تساهم في التفاهم الأخلاقي والروحي بين الأفراد والمجتمعات، ويسعى لتحقيق توازن بين الحقوق المدنية والعقائد الدينية.

على الجانب الاخر لدينا مصطلح "ما بعد الإسلاموية". كلا المصطلحين يسعىان لإعادة تقييم دور الدين في الحياة العامة، لكن "ما بعد الإسلاموية" تركز أكثر على التحولات داخل الحركات الإسلامية باتجاه رؤية أكثر تعددية ومشاركة في النظام السياسي، وقد يلتقيان في النقاش حول أهمية الدين في الحياة العامة. ربما امكننا القول ان اهمية ما بعد الاسلاموية تعززت بعد حصول التشويه الاكبر في عصرنا الحالي على يد تنظيم داعش او تنظيم الدولة الاسلامية الذي مارس قتل الناس على الهوية الدينية او المذهبية او حتى الاجتهادية بشكل همجي. 

يواجه المصطلحان تحديات كثيرة منها الاعتراف بالدين في المجتمع المتعدد الأديان دون تقديم امتيازات خاصة و تحقيق التوازن بين القيم العلمانية والدينية والحد من الصراع بين الفئات العلمانية والمتدينة. ولعل اخطر التحديات التي نواجهها هي جمود العلمانيين والاسلاميين على حد سواء على المفاهيم العلمانية والاسلامية دون القبول بتحريك هذه المفاهيم على المستوى العملي انسجاما مع تحولات الفكر والاجتماع والسياسة التي يشهدها عالمنا المعاصر. 

  الدولة الحضارية الحديثة تسعى لدمج القيم الثقافية والدينية في بنية الحكم بدون المساس بالعدل والمساواة أمام القانون. ما بعد العلمانية يمكن أن يسند هذه الفكرة عبر تفسير يحترم التعددية الثقافية والدينية داخل الدولة.

هذا النقاش يعكس عمليات التغيير المستمرة في العالم حيث يتطلب المجتمع الحديث إعادة التفكير في الأدوار التقليدية للدين والدولة.

اضف تعليق