الفكر البشري المتحفِّز لكل جديد في زمن الحرب، لأن الحرب قطار الحضارة كما يسمونه، فكل الاختراعات الكبير والعملاقة والتي تغيِّر وجه التاريخ تكون في زمن الحرب، أو تنطلق من ضرورات الحرب والقتال، سواء للهجوم أو رد الهجوم وصدَّه بالدفاع، فما انتهت الحرب العالمية الثانية إلا بصناعة غيَّرت المسار الحضاري...
مقدمة فكرية
خلق الله الإنسان مفكراً، وعاقلاً، فلماذا لا يعقل عن خالقه ورازقه؟ ولا يفكِّر بما سيؤول إليه في آخرته التي هي منزلان لا ثالث لهما وهما الجنَّة والنار؟ فلماذا يركضون إلى النار بأرجلهم والله يدفعهم عنها بكل طريقة ووسيلة، ويريد لهم الهداية ليدخلهم الجنة بكل خير يفعله حتى الذَّرة؟
الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، فلماذا ينتكس وينزل إلى أسفل سافلين؟
الله خلق الإنسان وكرَّمه وفضَّله على كثير من الخلق، فلماذا يبيع كرامته وفضيلته في سوق النخَّاسين؟
فلماذا نتنافس في الأعمال الطالحة، ولا نتنافس في الأعمال الصالحة؟ هل هناك قصور في الإنسان أم تقصير به في أن يبلغ في مرتبة عظيمة هي (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (القمر: 55)؟
لماذا نختار الشَّقاء والله خُلقنا للسَّعادة الأبدية ولنكون فيها من الخالدين، فنترك سعادة الأبد ونختار شقاء السرمد بأيام بسيطة نعيشها في هذه الدنيا الدَّنية والتي هي ممرٌّ وليست بمقر، وهي امتحان واختبار لننتقل إلى الآخرة وفيها الدار الأبدية؟
في الحقيقة إن الله تعالى خلق الإنسان من قبضة ترابية خلطها بماء الحياة، ثم نفخ فيها من روحه، فالتراب يجذبه إلى الأرض والدنيا وعناصرها، والروح ترفعه إلى السماء والمعنوية ورفعتها، ولذا هو في حالة صراع يعيشه في داخله، ثم يحاول أن يخرجه إلى الخارج فيتحوَّل هذا الصراع من صراع داخلي نفسي إلى صراع خارجي عدواني، فتكون النزاعات المختلفة بين البشر، ثم هذه الخلافات والنزاعات تتحول من حالة فردية ثم فئوية مصغَّرة إلى حالة اجتماعية كبرى يُطلق عليها اسم (الحرب).
فهل الحرب حالة اجتماعية طبيعية كما يقول البعض لأنها رافقت الإنسان منذ آدم وابناه هابيل الشهيد وقابيل المجرم القاتل وحتى الآن هي متطورة ومتقدمة ومتنامية مع الأجيال المتعاقبة في كل المجتمعات البشرية التي تعيش على وجه الكرة الأرضة؟
فما هي الحرب؟
الحرب: هي ظاهرة اجتماعية استثنائية تتبلور فيها حالة الصراع المسلَّح بين جيشين أو أكثر بحيث كل منهما يحاول أن يحقق أهدافه التي يُحدِّدها أهل السياسة في بلده، فالحرب: هي الحوار والدبلوماسية ولكن بطريقة أخرى، وهي الحوار بالسِّلاح في أرض المعركة، فينتقل الحوار من الغرف وطاولات المفاوضات إلى غرف العمليات لقيادة القوات المختلفة التي تتحاور بكل أنواع الأسلحة لتحقيق أهداف السياسة العليا في الدول المتحاورة.
وجميل ما يقوله الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) فيها: "الحرب أسوأ شيء عرفه الإنسان في تاريخه الطويل، لأنها توجب قتل الإنسان ونقص أعضائه، وفقد قواه وتشويهه، كما توجب هدم العمران، وإثارة البغضاء والشحناء بين البشر، وإيراث الأجيال العقد النفسية، وأيضاً تسبب إلقاء المقاتلين أسر الحرب، ولذا يكون من اللازم تجنب الحرب بأية قيمة، وإذا اضطر الإنسان إلى الحرب لأن عدوَّه جرَّه إليها، كان الواجب أن يقتصر فيها على أقصى درجات الضرورة.
وكذلك اللازم على البشرية عامة أن يضعوا حداً للحروب نهائياً حتى لا تقع في المستقبل، وذلك لأن الحرب ظاهرة مرضية وإن كانت ظاهرة منذ القديم، بل قيل إنها مؤيدة من قبل القرآن الحكيم في الجملة، حيث قال سبحانه: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (البقرة: 251).
بل قال البعض: بأنها مظهر من مظاهر (تنازع البقاء) الذي هو وصف طبيعي ملازم لجميع الكائنات الحية لا ينفك عنها، وإنه سُنَّة من سُنن الاجتماع البشري إلا أن اللازم الحيلولة دون وقوعها، فإن المرض أيضاً ظاهرة بشرية منذ القدم، وكذلك احتراق المدينة أو الدار أو الدكان وكذلك جرف السيل، وسائر عوامل الطبيعة التي تؤذي الإنسان ولكن كل ذلك لا يجعل من الحرب أمراً لا بد منه، فليست الحرب حقيقة أولية، وإنما هي ظاهرة ثانوية تقع بسبب شراسة بعض الأفراد.
ولذا قال جماعة من العلماء: إن الحرب في ذاتها قبيحة لما فيها من قتل النفوس والتخريب والتدمير وقد قال سبحانه مؤيداً لذلك: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216) فإن الظاهر من هذه الآية أن القتال لو كان أمراً طبيعياً لما قال تعالى: (وهو كره لكم)، فالحرب ظاهرة اجتماعية تمليها الغرائز الفاسدة وليست أمراً طبيعياً في البشر". (الصياغة الجديدة: ص 247)
مراحل الحرب في التاريخ
الحرب والحوار بالسلاح في الحقيقة مرَّت بأجيال كثيرة ولكن نقطة التحول الأولى التي شهدتها هي اكتشاف البارود المتفجِّر من قبل علماء الصين القدماء، ولكن حضارة الصين لم تكن من تلك الحضارات الشريرة التي تحاول أن تستعمر أو تدمِّر الآخرين، كما نرى من الاستعمار الغربي الذي هو من أبشع الإمبراطوريات التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ وحتى الآن، ولذا عندما اكتشف العالم والكيميائي سويدي ألفرد نوبل (21 أكتوبر 1833 - 10 ديسمبر 1896)، واخترع الديناميت في سنة 1867م ووضعه في خدمة العسكر والجيوش الغربية راحت تلك الدول تتفنن باختراع السلاح الناري، وكلما اخترعوا سلاحاً للتأثير أبدعوا سلاحاً مضاداً له ليدفع شره ويخفف من تأثيره، فصاروا في سباق تسلح حقيقي فخاض العالم حربين عالميتين في أقل من نصف قرن، أهلكت الحرث والنسل وأبادت الملايين في الدول المتحاربة والسياسة المتحاورة بالسِّلاح.
والعجيب أن الفكر البشري المتحفِّز لكل جديد في زمن الحرب، لأن الحرب قطار الحضارة كما يسمونه، فكل الاختراعات الكبير والعملاقة والتي تغيِّر وجه التاريخ تكون في زمن الحرب، أو تنطلق من ضرورات الحرب والقتال، سواء للهجوم أو رد الهجوم وصدَّه بالدفاع، فما انتهت الحرب العالمية الثانية إلا بصناعة غيَّرت المسار الحضاري للعالم كله ونقلت الكرة الأرضية من ساحات الحرب التقليدية إلى أبشع وأشنع ما عرفته البشرية من أنواع السلاح في الحروب وهي الحرب النووية، حيث اخترع (نيلز بور) ورفاقه ووضعوا أول مخططات للمفاعلات النووية فسرقها وفرَّ بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث درسوها وراحوا ينفذونها فوراً وبالفعل خلال سنوات الحرب اخترعوا قنبلتين نوويتين صغيرتين فقط هما قنبلة (الولد الصغير) أُلقيت على مدينة (هيروشيما) (يوم الاثنين 27 شعبان عام 1364 هـ / الموافق 6 أغسطس عام 1945 م)، ثمَّ تلاها إلقاء قنبلة (الرَّجل البدين أو السَّمين) على مدينة (ناغازاكي) في التاسع من شهر أغسطس، وكانت هذه المرَّة الوحيدة التي تمَّ فيها استخدام الأسلحة الذرية في تاريخ الحرب، ولم يكن لدى الولايات المتحدة غيرهما، وهي من النوع التكتيكي الصغير جداً بحيث أنهم في هذا العصر لا يصنعونها أبداً، فلو استمرَّت اليابان بالحرب وكانت تعرف أن الولايات المتحدة ليس لديها مثل هذه القنابل لكان للحرب والتاريخ كلمة أخرى في مجرى الأحداث.
ولكن اليابان أعلنت استسلامها للجزار الأمريكي وذلك للدَّمار الهائل التي شهدته المدينتان اليابانيتان فخافت أن تلقى قنبلة مماثلة على العاصمة طوكيو فتكون الكارثة التي لا يمكن تحملها على أي إنسان عاقل، لأن القنبلتين قتلت ما يصل إلى 140,000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمَّت فيه التفجيرات، ومن بين هؤلاء، مات 15-20 ٪ متأثرين بموجة الصَّدمة، والجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، ويضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتَّسمم الإشعاعي المدمِّر والمشوِّه للبشر.. ولذا ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدَّم، والسرطانات الأخرى لا سيما الجلد، وذلك نتيجة التعرُّض للإشعاعات المنبثقة من تلك القنابل النووية وما يسببه التلوُّث الإشعاعي من أمراض أكبر بكثير مما خلَّفته القنابل لأن الإشعاعات تمركزت في الأرض فصار كل شيء تنتجه يكون مسرطناً فتأتي الأجيال مشوَّهة حتى بعد خمسين سنة، وللأسف الشديد لم يستطع العالم المتحضِّر والحضارة الرقمية حتى الآن محاسبة الولايات المتحدة وساستها المجرمين وذلك لأنها مازالت متربعة على عرش الحضارة المعاصرة وهي تتفنن في صناعة الموت لشعوب الأرض، كما أنها تبدع في كل حين مصانعها وعقول مهندسوها في اختراع الأسلحة الأشد فتكاً والأكثر قتلاً وإبادة لبني البشر وكأنهم خُلقوا من شياطين، ونزع الله من قلوبهم الرَّحمة، أو أنهم خلعوا جلد الإنسانية ولبسوا جلوداً أخرى.
جذور الحضارة الأمريكية
فاختراع السلاح النووي نقل العالم من الحرب التقليدية إلى الحرب النووية وما يسمونه بالإبادة الشاملة، وراحت الدول والحكومات الأخرى تسعى بكل قوتها أن تبني المفاعلات النووية وصناعة القنابل النووية الأقوى والأكبر والأشد فتكاً وتدميراً لكل شيء، فصار النادي النووي ولم يدخله خلسة من المسلمين إلا باكستان على يدي عبد القادر خان، وكل الحروب على الأمة العربية والإسلامية التي نشهدها هي من أجل منع وصول أي دولة إسلامية إلى هذا النادي الذي يسمونه بنادي الكبار.
وحلَّت الكارثة العظمى على الكرة الأرضية بانهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن الماضي وتفرُّد الولايات المتحدة الأمريكية تلك الدولة الناهضة التي خاضت حرباً أهلية ضروساً استمرت قرناً ونصف حتى جاء (جورج واشنطن)، أول رئيس للولايات المتحدة، والقائد العام للقوات المسلحة للجيش أثناء الحرب الثورية الأمريكية، وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وقاد التمرد الذي انتهى بإعلان انفصال الولايات المتحدة عن بريطانيا في 4 يوليو 1776م، فجمعت كل المجرمين والسفاحين والقتلة في أوربا الذين فرُّوا من المحاكم أو أخرجوهم من السجون لأنهم عجزوا عن إطعامهم فأرسلوهم إلى تلك الأرض والعالم الجديد وأعطوهم السلاح ليدافعوا عن أنفسهم، وكان السكان الأصليين من الهنود الحمر لم يعرفوا السلاح الناري ففعلوا فيهم الأفاعيل حتى أبادوهم عن بكرة أبيهم كما هو معروف في التاريخ للقاصي والداني.
الحرب النووية والرَّدع النووي
فالولايات المتحدة قامت كدولة ناهضة خلف المحيط فهي بعيدة عن متناول كل جيوش العالم فكان لابدَّ لها من أن تصنع الطائرات فاخترع (الأخوان رايت) الطائرة في 17 ديسمبر 1903م فراحوا يطورونها ويتفننون في صناعتها، ثم صنع الأوربيون مثلها، فكان من اللازم والضروري صناعة المضادات للطائرات فكان من المدافع الرشاشة، ولكن تطور الطائرات جعلهم يصنعون ويخترون الصواريخ المضادة المختلفة، فكانت الولايات المتحدة تتقدَّم وتتطوَّر في صناعة الطائرات الحربية القتالية والمعترضة والمتعددة المهام، والإتحاد السوفييتي والشرق يتقدمون ويتطورون بصناعة الصواريخ المختلفة، وإلى الآن الغرب يتقدَّم على الشرق بالطائرات التي وصلت إلى الشبح ف 18، وروسيا متقدمة بأنواع الصواريخ حتى وصل إلى (أوريشنيك).
وصناعة مختلف الأسلحة لا سيما أسلحة التدمير الشامل جعلهم يتسابقون حتى في برمجة الفضاء، وشهدنا جميعاً سبقاً للتسلُّح بين الغرب والشرق بشكل عجيب وغريب حتى أنهم قالوا: أن ما لديهم من هذه الأسلحة تدمر الكرة الأرضة 150 مرة، وفي إحصائية جديدة نشرها موقع "وورلد بابيوليشن نيوز" الأميركي هذا العام، يوجد في العالم 13,080 رأساً نووياً، تمتلك روسيا الحصة الأكبر منها.
ومن بين هذه الرؤوس هناك 1458 رأساً نووياً منشوراً بنشاط (معاهدة ستارت الثانية الحالية تحدُّ من عدد الرؤوس النووية المنشورة لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا إلى 1550 رأساً)، و3039 رأساً نووياً غير نشط ولكنه متاح ليتم تفعيله، و1760 رأساً نووياً متقاعداً ينتظر التفكيك.
وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة التالية بفارق كبير حيث تمتلك 5550 رأساً نووياً إجمالياً: 1389 نشطاً، و2361 غير نشط لكنه متاح، و1800 في انتظار التفكيك.. وفي المراتب التالية على التوالي: الصين (350 رأساً نووياً)، فرنسا (290)، (المملكة المتحدة إنكلترا (225)، باكستان (165)، الهند (156)، الكيان الصهيوني (90)، وفي ذيل القائمة تأتي كوريا الشمالية التي تملك 50 رأساً نووياً، وفقاً للإحصائية.
ووفق بيانات إحصائية جمعتها بين 2022 و2023م من منظمات ذات صلة، مثل "سبيري"، و"اتحاد علماء أميركا" وموقع "NUKMAP"، كانت الأرقام وترتيب الدول كالآتي، بواقع إجمالي 12512 رأساً نووياً بحوزتها: روسيا (5889)، الولايات المتحدة (5224)، الصين (410)، فرنسا (290)، المملكة المتحدة إنكلترا (225)، باكستان (170)، الهند (164)، الكيان الصهيوني (90)، كوريا الشمالية (30).
واعلم -أيها العزيز- أننا نتحدَّث فقط عن السلاح النووي أو الذَّري، ولم نتطرَّق للأسلحة الفتاكة الأخرى كالسلاح البايولوجي، والهيدروجيني، والفراغي، والقنابل الرَّحيمة، والكهرومغناطيسية، وغيرها مما تفتَّقت عنه عقول البشر الشريرة في مصانع السلاح الخطيرة، فإنها أكبر مصانع في العالم وأنشطها، وتجارة السلاح هي من أكبر التجارات وأغناها وأربحها في العالم وهي تنافس تجارة الطاقة من النفط والغاز، ومعظم الحروب في العالم هي نابعة من تلك المصانع وتلك التجارة التي لا تزدهر إلا في ظل الحروب وتحت دخانها الخانق للشعوب والأمم المختلفة، لأنهم لا يهمهم إلا مصالحهم في صناعة السلاح وبيعه، أي صناعة الموت وتوزيعه على أمم الأرض ليجنوا المزيد من الأرباح للأسف الشديد.
الجيل الرابع من الحرب
وهنا نصل إلى الجيل الرابع من أجيال الحرب كما يقسِّمها العقل الشيطاني الأمريكي، الذي لا يعترف بالتقسيم العالمي بل لهم تقسيمهم الخاص بهم، فنظريتهم في الحرب أنها مرَّت بثلاث أجيال والآن وصلنا إلى الجيل الرابع منها وهو: الفناء الذاتي، أو الحرب الداخلية، أو الحرب الأهلية وويلاتها، وهم بها خبراء لأن آباءهم عانوا منها طويلاً وفنت فيها أجيالاً منهم، لأنها استمرَّت 150 سنة فأحرقت الأخضر واليابس وما قامت لهم قيامة حتى وحَّدهم (جورج واشنطن) في دولة واحدة وهم 50 دولة أو ولاية مستقلة، ولكنهم توحَّدوا في الدِّفاع والمال والخارجية، فصاروا الإمبراطورية الأقوى على وجه الأرض رغم أن روسيا لديها أكثر منها أسلحة وحتى رؤوس نووية ولكن جرأة الولايات المتحدة على سفك الدماء وإبادة البشر عجيبة فإن شعارها: (أمريكا أولاً) ومن بعدهم الطوفان حتى ولو أخذ الجميع فلا شأن لهم بالعالم كله، ولذا العالم يخشى شرَّهم وبطشهم وجرأتهم على القتل والتدمير والإبادة الشاملة، ولا يعيرون أي قيمة للقيمة والأخلاق والإنسانية فلا رحمة لديهم وكأنهم قدُّوا من حجر أو خُلقوا من غير البشر.
مآسي المنطقة والعالم
وكل ما نعانيه في المنطقة -الشرق الأوسط- الآن هو نتيجة الأطماع المعلنة والخفية لإمبراطورية الشَّر العالمي التي تريد إعادة رسم خرائط المنطقة بما يحقق لها مصالحها أولاً ثم لقيطتها وشرطيها في المنطقة الكيان المغتصِب لفلسطين ثانياً، فهي تريد شرق أوسط جديد عبر صفقة القرن التي كادت أن تموت بعزل صاحبها عن البيت الأبيض ولكنها عاشت من جديد بعودته غير المحمودة، فهو يريد شرق أوسط محوره يكون الكيان في كل شيء في السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة والتجارة والمال وبكلمة يريدون أن ينصِّبوا الكيان المغتصِب حاكماً على الشرق الأوسط الجديد بلا منازع، فمَنْ ينازع سلطته سيحاولون انتزاعه من مكانه أو منصبه أو من الحياة كلها إن استطاعوا لذلك سبيلاً، فالكيان سيكون براحة في الحركة وكل المنطقة تبقى مستنفرة لتكون في خدمته وراحته.
وعليه فكل ما يحدث في المنطقة الآن هو في خدمة ذلك المشروع الترامبي (الشرق الأوسط الجديد)، وكل المآسي التي نراها ونكتوي بنارها هي من أجل الكيان المغتصِب وراحته وتنفيذاً للفكرة التلمودية والنبوءة التوراتية التي تقول: (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، فيجب تفريغ هذه المنطقة من العناصر المعادية والمناوئة لهذه الفكرة التي كانت منذ خمسة آلاف عام ولم تتحقق فجاء هؤلاء الأشقياء ويردون تحقيقها بقوة السلاح ولو كان ذلك على أنهار من الدماء، وجبال من الأشلاء، وليُقتل كل مَنْ يقول لهم: لا.
والعجيب أن هذه الفكرة ليست إلا غطاء سياسياً لما يسمونه ب(معركة القيامة)، وظهور (الماشح – المسيح اليهودي) في آخر الزمان، فهو لا يقبلون بالسيد المسيح الحقيقي التي تؤمن به النصارى في العالم، ولا يقبلون بالإمام المهدي المنتظر الذي يؤمن به المسلمون، ولا يقبلون إلا ذلك الماشح أو المسيا، أو المسيح المنتظر من اليهود والذي سيبيد العالم كله إلا اليهود ويعطيهم الكرة الأرضية ليعيشوا فيها لوحدهم دون غيرهم من البشر لأنهم لا يقبلون بالعيش مع الأغيار، فهم (شعب الله المختار) وهم (أحباء الله وأوداؤه)، وغيرهم مجرَّد حشرات لا يحق لهم العيش إلا بما يخدمون فيه اليهودي.
تساؤلات حائرة
ولكن نسأل هؤلاء الأشقياء وكل أذنابهم وأذيالهم: هل يمكن تحقق هذه النبوءة، أو الحلم اليهودي التوراتي، بمعزل عن غيرها من النصارى والمسلمين الذين يشكلون ثلثي سكان الكرة الأرضية؟
وهل يمكن أن يُباد ثماني مليارات من البشر لأجل عيون ثمانية ملايين من اليهود؟
فعلى عقلاء الدنيا أن يجتمعوا ويفكروا في هذه المسألة جيداً وجدياً من أجل مستقبل الجميع الذين ينتظرون السعادة في ظل دولة الحق والعدل المنتظرة في آخر الزمان بقيادة حكيمة ربانية للإمام المهدي المنتظر والسيد المسيح وكل صلحاء الأرض الآخرين الذين يحققون حلم الأنبياء والمرسلين في دولة الله وحكومته على الأرض؟
نسأل الله أن يعي هذه الحقيقة المسلمون والنصارى قبل أن يحرق الأرض اليهود ويقتلون الجميع تحقيقاً لما يريدون ويصبون إليه، والعجيب أنهم يريدون فساد الأرض وإفساد الشعوب والأمم لأجل ذلك المنتظر لديهم، وليس لديهم إلا السيد المسيح الذي نؤمن به نحن وننتظره بفارغ الصبر مع الإمام المهدي المنتظر (صلوات الله عليهما).
اضف تعليق