على المستوى البعيد فيمكن لزيادة المساحات الزراعية ان يقلل الاعتماد على النفط باعتباره المادة الوحيدة المصدرة بهذه الكميات من الإنتاج، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصاد العراقي، وبعد هذا الاتساع المتوقع والعمل الحثيث يمكن ان نجد الخيار العراقي والبرتقال الكربلائي يتصدر البضائع في أسواق الخضار بالدول العربية والأجنبية...
اليمني يشعر بالفرح عندما يرى الرمان اليمني في السوق العراقي، وبالفخر اللبناني عندما يشتري الكرز اللبناني، وغيرهم من المصريين الذين يلاحظون توفر الفراولة المصرية وكذلك السوريين متى يشاهدون البرتقال السوري وهكذا، بينما العراقيين محرومين من هذه الفرحة عند سفرهم الى الخارج.
لا يمكن للفرد العراقي ان يرى انتاج زراعي في الأسواق الأجنبية او الدول العربية، وهذا الامر قد يشكل حلما عراقيا، في ان تكون السلعة العراقية حاضرة في الأسواق الدولية، فالمزارعون يسألون كما غيرهم من العراقيين هل سنرى في السنوات القادمة الخضروات والفواكه مادة تستهلك بكثرة من قبل الشعوب الأخرى.
من يقرأ هذه السطور ربما يتهمنا بشيء من المبالغة او المغالاة في الامر، وقد ينظر الينا على اننا غير واقعين، ولا يمكن ان يصدر العراق مثل هذه النوع من المنتوجات، وسيكتفي على التمور في الوقت الحالي بعد النفط، نظرا لأسباب كثيرة سنتطرق الى مجملها في السطور القادمة.
السبب الأول ان العراق لم يعد بيئة صالحة للزراعة لتوفير كميات فائضة عن الحاجة المحلية، فالعراق لا يزال مستورد كبير للعديد من أصناف الإنتاج الزراعي، اذ يستورد الرز وغيره من الحبيبيات، فضلا عن الخضروات والفواكه التي لم ينجح المزارع العراقي بتوفيرها، نظرا لعدم توفير الظروف المناسبة من جهة، والكلفة الإنتاج من جهة أخرى.
عدم توفر مثل هذه البيئة يجعل العراق من البلدان دائمة الحاجة الى الاستيراد والاعتماد على الدول الأخرى المعروفة في انتاج المحاصيل والخضروات ذات الاستهلاك الدولي الواسع، وبذلك يبقى يدور بهذه الدائرة المفرغة نتيجة عجزه اتباع آلية جديدة تمكنه من تقليل الاعتماد على الآخرين.
اما السبب الآخر من أسباب عدم انضمام العراق الى قائمة البلدان المصدرة، هو نزوح أصحاب الأراضي الزراعية الى المدن، وتركها تتحول الى صحراء قاحلة، فضلا عن قلة الاطلاقات المائية من دول الجوار، وهو الامر الذي تسبب بالعزوف الكامل عن الزراعة في مناطق واسعة من البلاد.
وقد يأتي من بين اهم الأسباب هو غياب الدعم الحكومي للمزارعين الذين كانوا في السابق يحصلون على العديد من مستلزمات الزراعة، ويصل الدعم الى تزويدهم بالمكائن والآلات الزراعية، وفي نهاية الموسم الزراعي تأخذ الحكومة باستلام المحاصيل بأسعار تعوض الخسائر المادية والمعنوية لهم.
واخير اهم أسباب انحسار المساحات الزراعية هو جريف الأراضي وتحويلها الى مناطق سكنية، ولم تعد اغلب المناطق الزراعية كما عهدناها في العقدين الأخيرين، اذ يشكل هذا الامر معضلة وطنية وإشكالية حكومية يصعب الوصول الى حلول تعيد للبلد مكانته الزراعية كما كان في زمن الحصار الاقتصادي، حيث وصل الى منطقة قريبة من الاكتفاء الذاتي.
العراق بحاجة في الوقت الحالي الى وضع استراتيجية حكومية لتحويل البلد من بلد مستورد ومستهلك فقط الى بلد منتج للوهلة الأولى، لتأمين الحاجة المحلية من هذه المواد الزراعية، والعمل تدريجيا من اجل الوقوف الى جانب الدول المصدرة الى الخارج مما يفيض عن حاجها الوطنية.
ومن بين اهداف هذه الاستراتيجية الحكومية هو توسعة المناطق الزراعية على حساب المناطق الأخرى ولذلك فائدة وطنية على المدى البعيد والقريب معا، فعلى المستوى الأخير تخليص المواطنين من البضاعة والفواكه المستوردة الخاضعة الى أنواع من المعالجات وإضافة المواد الحافظة التي تتحول فيما بعد الى مواد ضارة بصحة الانسان.
اما على المستوى البعيد فيمكن لزيادة المساحات الزراعية ان يقلل الاعتماد على النفط باعتباره المادة الوحيدة المصدرة بهذه الكميات من الإنتاج، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصاد العراقي، وبعد هذا الاتساع المتوقع والعمل الحثيث يمكن ان نجد الخيار العراقي والبرتقال الكربلائي يتصدر البضائع في أسواق الخضار بالدول العربية والأجنبية.
اضف تعليق