المتغيرات الإقليمية تفرض تغيرات داخلية لا محالة، فالحرب لا بد لها ان تلقي بظلالها على ارجاء المعمورة، ولكن بمستويات مختلفة، ففي العراق تتمثل ظلال الحرب السلبية باستقباله الآلاف من النازحين الفارين من الموت جراء القصف الإسرائيلي على المدنيين، فهل دخول الآلاف بهذه الصورة خضع لدراسة من الجانب العراقي؟...

المتغيرات الإقليمية تفرض تغيرات داخلية لا محالة، فالحرب لا بد لها ان تلقي بظلالها على ارجاء المعمورة، ولكن بمستويات مختلفة، ففي العراق تتمثل ظلال الحرب السلبية باستقباله الآلاف من النازحين الفارين من الموت جراء القصف الإسرائيلي على المدنيين، فهل دخول الآلاف بهذه الصورة خضع لدراسة من الجانب العراقي؟

الروابط الإنسانية هي الانطلاقات التي انطلق منها العراقيين سواء على المستوى الرسمي او الشعبي، ولذلك شاهدنا شاحنات المساعدات، وربما العراق في مقدمة الدول التي تعاطفت مع الشعب اللبناني، حتى وصل الامر الى توصيات دينية بالوقوف مع النازحين اللبنانيين.

التوصيات تُرجمت على شكل استقبالهم في مدن الزائرين التابعة للعتبات المقدسة والفنادق وكذلك المنازل العائدة الى الاهالي، ولا ضير في تظافر الجهود الإنسانية من اجل تخفيف معاناة الشعب اللبناني وهو يواجه أعتى وأشرس جيش إرهابي تجاوز جميع الخطوط الحمراء ولم يلتزم بالجوانب الإنسانية.

لكن هنالك ثمة إشكالية وملاحظات على الاستقبال بهذه الطريقة غير المدروسة، في كربلاء وبعض المدن العراقية لدينا تجربة قديمة مع استقبال النازحين من الموصل ابان الحرب مع داعش الإرهابي، وشخصنا بعض الخروقات التي رافقت هذا الاستقبال ومن بينها التأثير على الجوانب الأمنية في المدينة وبالإضافة الى بقية الجوانب.

أضف الى الناحية الأمنية هنالك تأثير على سوق العمل، اذ نافس الافراد الوافدين أبناء المحافظات العراقية على فرص العمل المتاحة امامهم، حتى صار من الصعوبة ان يجد ابن المدينة فرصة عمل يوفر من خلالها قوت يومه، ومع ذلك تم التعامل مع الامر بنوع من الرأفة والإنسانية ولم يتعرض أي نازح الى اعتداء او مضايقة الا بعض الحالات التي لا يمكن اخضاعها لنسبة معينة.

والى هنا يبدو الامر طبيعي جدا، طالما هنالك حرب دائرة مع تنظيم داعش الإرهابي، ومع استقرار الوضع الأمني، رجعت الاسر الى محل اقامتها في مدنها وفسحت المجال امام أبناء المدينة لمزاولة أعمالهم بأريحية أكثر بعيدا عن الضغط الذي شكله تواجدهم طيلة فترة الحرب.

وعاد الأهالي وانتعشت المدن التي خضعت لسيطرة الزمر الإرهابية، وعادت الحياة الى معظم مرافقها، لكن الامر يختلف تماما مع استقبال النازحين اللبنانيين.

أوجه الاختلاف تأتي من ان النازح الأجنبي وبعد توفير محل سكن له وتجهيزه بوجبات طعام يصبح من الصعب رجوعه الى بلده وربما يستمر الامر لشهور او سنوات، وبذلك تمر جهات الايواء بحالة من الاستنزاف المستمر وتحمل المسؤولية المطلقة من الناحية الأمنية والصحية والغذائية والعلمية.

ربما الجوانب الأمنية والغذائية يمكن السيطرة عليها بمساعدة الأجهزة الأمنية وأصحاب الخير، لكن المعضلة تكمن في الجوانب الصحية والتعليمية. مدارسنا تزدحم بالطلبة وفي بعض المدارس قسمت الى ثلاث دوامات مع الزخم الكبير في القاعات الدراسية، فكيف الحال إذا وصل الطلبة اللبنانيين الى العراق؟

ناهيك عما تعانيه الجوانب الصحية في البلاد من نقص واضح في الخدامات وترديها، وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة العراقية تقديم المساعدات العلاجية للجرحى، ولا يمكن لاحد ان يعترض على الخدمة الإنسانية، لكن الاعتراض نابع من الخلل الذي يمكن ان يؤديه هذا القرار من قبل الجهات العليا في البلاد.

بعض القرارات لا يصح ان تُأخذ بصورة عاطفية، بل يجب ان تخضع لدراسة متأنية، ويتم بحثها من جميع الاتجاهات، ومعرفة ابعادها وانعكاساتها على مختلف الصعد، والا ستكون النتيجة سلبية في بلد مثل العراق غير مؤهل لاستقبال الآلاف من النازحين مع اقتراب فصل الشتاء وما يخلفه من حالات إنسانية صعبة.

اضف تعليق