السلام في العالم يتعارض مع المصالح الاستراتيجية لواشنطن وبالتالي إن لم يكن هناك عدوا حقيقيا لها تقوم بصناعته أو تفترض وجوده وتقنع العالم بوجوده كما جرى في صناعتها لتنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش واستغلال عملياتهم الإرهابية لشن ما سمته الحرب على الإرهاب ومن خلال هذه الحرب احتلت...

لو تمعنا في الحروب والصراعات الأهلية والاقليمية التي جرت خلال الخمسين سنة الأخيرة على أقل تقدير، من حرب حزيران ١٩٦٧ بين العرب والاسرائيليين إلى حروب الخليج الثلاثة إلى حرب كوسوفو ١٩٩١ بعد تفكيك يوغسلافيا الى فوضى الربيع العربي والحروب في اليمن وسوريا وليبيا والسودان الى الحرب المنسية في الصومال والصراع بين اثيوبيا وارتيريا والصومال، حتى حرب اوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحرب غزة الأخيرة ثم حرب لبنان هذه الأيام، نجد أنها استمرت لسنوات وعجزت الأمم المتحدة عن حلها.

 إلا الحالات التي كانت تشكل تهديدا حقيقيا للمصالح الأمريكية والغربية وإسرائيل كما جرى في الحرب داخل أوروبا (حرب كوسوفو) ١٩٩٩ في يوغسلافيا سابقا حيث تدخل حلف الأطلسي لأن الصرب أخلوا بالتوازنات داخل أوروبا، وحرب الخليج الثانية ضد العراق 1991 عندما استهدف نظام صدام حسين إسرائيل بالصواريخ وتم احتلال العراق 2003 حيث أنهت واشنطن نظام صدام ولكنها لم تنهي الصراعات داخل العراق ومع جيرانه، أما الصراعات الأخرى فاستمرت حتى اليوم، ليس لعدم قدرة الأمم المتحدة والمنتظم الدولي وأطراف الحرب على حلها وحسمها سلما أو حربا بل لأن واشنطن معنية باستمرار الحروب والصراعات ما دامت لا تهدد مصالحها ومصلحة إسرائيل وهي التي تعيق جهود الأمم المتحدة والوساطات الدولية الأخرى لحلها وتحرض الأطراف المتحاربة على بعضها البعض لتستمر ببيع السلاح وإضعاف كل الأطراف.

وفي هذا السياق يندرج ما يسمى الملف الإيراني وتهديد إيران المزعوم لدول المنطقة والصراع المزعوم أيضا بين إيران من جانب وواشنطن والكيان الصهيوني من جانب آخر. فلو كانت واشنطن معنية بالاستقرار في المنطقة وخصوصا الخليج لحسمت الأمر منذ سنوات سواء تعلق الأمر بالملف النووي أو بحرب اليمن أو بالخلافات بين قطر وبقية دول الخليج أو بين إيران وجيرانها...

 ولكنها تريد استمراره لابتزاز دول الخليج وديمومة الصراعات المذهبية التي فككت أكثر من دولة عربية أيضا لتبرير استمرار مد إسرائيل بالسلاح بذريعة تعرضها لتهديد وجودي من إيران، كما ان الخطر الإيراني المزعوم يبرر استمرار القواعد العسكرية الغربية في المنطقة.

 نفس الأمر بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحرب غزة الأخيرة وامتدادها للبنان، لو كانت واشنطن معنية بإنهاء الصراع لفرضت على إسرائيل تنفيذ قراري مجلس الأمن ٢٤٢ لعام ١٩٦٧و ٣٣٨ لعام ١٩٧٣، وكانت اجبرتها على الالتزام باتفاقية أوسلو ١٩٩٣ التي تم توقيعها في واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، وما كانت وقفت إلى جانب إسرائيل في الأمم المتحدة ومنظماتها لإعاقة صدور اي قرار يدين إسرائيل حتى في مواجهة أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وما كانت تواصل مد إسرائيل بكل انواع الأسلحة الخ حتى في حرب الإبادة على غزة، فالدور القذر لواشنطن يظهر من خلال مباركتها لحرب الإبادة والدعم بالسلاح غير المحدود لإسرائيل وتبنيها للرواية الإسرائيلية ووقوفها ضد صدور اي قرار لوقف الحرب وتعطيل الإجراءات الدولية لمحاكمة قادة الاحتلال.

وما هو أخطر من ذلك فسح المجال لإسرائيل للاستمرار في الحرب من خلال دورها المراوغ والمخادع فيما يسمى الوساطة لوقف الحرب فهي المعيق الرئيسي لوقف الحرب على غزة وفي المنطقة ولا يعقل أن أكبر وأعظم دولة في العالم لا تستطيع ردع إسرائيل واحبارها على الانصياع لموقف وارادة غالبية دول العالم بوقف الحرب.

السلام في العالم يتعارض مع المصالح الاستراتيجية لواشنطن وبالتالي إن لم يكن هناك عدوا حقيقيا لها تقوم بصناعته أو تفترض وجوده وتقنع العالم بوجوده كما جرى في صناعتها لتنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش واستغلال عملياتهم الإرهابية لشن ما سمته الحرب على الإرهاب ومن خلال هذه الحرب احتلت أفغانستان والعراق ونشرت الفوضى في المنطقة بل والعالم. 

وعليه فواشنطن تسعى لإدارة الصراعات والحروب في العالم ما دامت خارج اراضيها حتى تستمر ببيع السلاح وتبقى أطراف الحرب من حلفائها المفترضين بحاجة لها وتستمر في استنزاف مقدرات خصومها كما هو جاري في الحرب الاوكرانية وخلافات الصين مع تايوان ودول الجوار.

Ibrahemibrach1@gmail.com

اضف تعليق