نحن لا نسمي السجون، كما هو واقعها؛ وإنما نطلق عليها عنوانا براقا هو (دائرة الإصلاح)! حتى إذا صدقنا هذا العنوان، عندئذ يصبح من الواجب والمسؤولية والمصداقية، أن نعمل على وفقه وعلى معطياته وعلى ما هو مناط بمعنى (الإصلاح). لا نعتقد أن سجنا، أصلح مجرما؛ وإنما في أحسن الأحوال...

نحن لا نسمي السجون، كما هو واقعها؛ وإنما نطلق عليها عنوانا براقا هو (دائرة الإصلاح)! حتى إذا صدقنا هذا العنوان، عندئذ يصبح من الواجب والمسؤولية والمصداقية، أن نعمل على وفقه وعلى معطياته وعلى ما هو مناط بمعنى (الإصلاح). لا نعتقد أن سجنا، أصلح مجرما؛ وإنما في أحسن الأحوال وأفضل النتائج يمكن أن تكون مدة السجن سبيلا للتوبة والندم.

وقد نعد هذه التوبة وهذا الندم؛ خطوة طيبة في اتجاه الإصلاح. إذن لماذا لا نستثمر هذا الواقع على وفق نتائجه الحسنة، ومن ثم نعمل على إعمامه بين أولئك المدانين؟ صحيح إن كل المدانين، يقولون إنهم قد ندموا على ما اقترفوه من أعمال جرمية وتجاوز على القوانين وابتزاز وفساد وإخلال بالنظام. إلا أن الحق بيّن والكذب بيّن.. والسلوك هو الفاصل بينهما وذلك عن طريق ما نتبينه داخل السجن نفسه، فهناك من يختزن جريمة معينة لكي يكررها بطرق وأساليب أخرى. 

وهناك من تبين له أن الأخطاء التي ارتكبها لا بد أن يدفع ثمنها، وهناك فريق ثالث يرى أن ما كان من إدانته يعد صفحة سوداء في مسيرة حياته، وعليه أن يتجاوزها بنفسه ويقدم بديلا مقبولا عنها. ولان الإدانة تتفاوت بين مدان وآخر؛ فإن لكل واحد من المدانين معالجة (إصلاحية) منطقية وموضوعية يفترض أن نعمل عليها، بوصف الحكومة والدولة برمتها تمتلك رعاية أبوية، ومثل هذه الرعاية لا بد أن تتوفر على عقول راجحة، وعلى نوايا طيبة، وعلى عمل إنساني رفيع المستوى يتجاوز الأخطاء العابرة ويتسامح مع ما هو جدير بالمسامحة وإعطاءه الفرصة لكي يواجه نفسه ومجتمعه، حتى ينتقل من حال إلى حال آخر.. هذا الأمر يتعلق بالمدانين، بأحكام قصيرة في الغالب، ولا علينا من جرائم تتعلق بسرقة وقتل وابتزاز وفساد مالي وإداري يخل بالمجتمع وبالقوانين، ولا علينا من خيانة الوطن أو الزنا في المحارم أو التجارة بالبشر.. فمثل هؤلاء يصعب إصلاحهم بسهولة وفي مدة قصيرة، ذلك أن نماذجهم تجذرت فيها الجريمة والاستئثار في التخريب والارتواء من نخب الفساد الذي أشاعوه بين الناس. 

الأمر مختلف تماما، فنحن لا نريد أن نطلق سراح مثل هؤلاء، حتى لا يعيثوا في الأرض فسادا ويصبحوا مرضا معديا يتفشى بين الناس سريعا؛ وإنما نحن نتحدث عن آلاف الأبرياء الذين امتلأت السجون بهم من دون أن تفتح ملفاتهم، وما فتح من ملفات لبعضهم لا يشكل إدانة كاملة وواضحة لهم.. والكثرة ممن ازدحم وجودهم في السجون والمعتقلات، كانوا قد جيء بهم على وفق المخبر السري الذي ينطلق من عداء شخصي غالبا، مثلما يوجد قسم آخر على حسب الشبهات من دون توفر الأدلة الكافية للإدانة. 

إن طبيعة هذه الكثرة من المعتقلين الأبرياء؛ يمكن أن يتحولوا إلى مجرمين، وذلك بسبب احتكاكهم وتفاعلهم وعيشهم بين عدد من المجرمين العتاة، فهؤلاء يظل بهم هاجس التأثير السلبي في أكبر عدد من المعتقلين، الذين قد لا يعرف البعض منهم حتى أسباب اعتقاله. 

وبدلا من التعامل معهم كمواطنين صالحين، نجدهم وقد تحولوا إلى أناس لا بد من اتقاء شرهم، بوصفهم قد صاروا كارهين للحياة ولهم الاستعداد نتيجة لهذه الكراهية؛ التحول إلى عناصر سلبية لها الاستعداد لأداء الكثير من الشرور. 

من هنا يصبح العفو العام.. عفوا يراد منه بناء المجتمع وليس تخريبه أو تدميره، مثلما لا يمكن أن نعمل على (تبييض السجون) كليا وإنما يحسن أن تكون هناك لجان قضائية تمتلك كل مقومات العمل العادل بشفافية ودراية ومسؤولية لكي تتولى النظر في ملف كل سجين أو معتقل، وتنظر نظرة إيجابية أولا ومن ثم العمل بروح المواطنة التي تريد أن نعيش جميعا في وطن آمن ومستقر ومتسامح خال من عقد الماضي السلبية.. ومثل هذا القانون يفترض أن نعمل على وفق ضرورته، ولا يصح أن نساوم أو نقارن أو نبادل هذ القانون مع قوانين أخرى لا علاقة بينها.. فلكل قانون خصوصيته وضرورته في حياة المجتمع، وأية محاولة على حساب الشعب العراقي إكراما لفئة دون أخرى، ما هو إلا سبل من سبل الابتزاز والأداء السلبي في النظر إلى مصالح الناس ونشر العدل بينهم.

اضف تعليق