بعد مرور اسبوع على دخول القوات الاوكرانية، في الأراضي الروسيّة وتوغلها في اقليم كورسك، يبدو الرئيس بوتين امام ثلاثة تحديات: التحدي الاول واقعي ومادي، والتحدي الثاني والثالث، تحديات افتراضية ومعنويّة، ولكنها لا تقل اهمية عن التحدي الاول، ولربما يعول عليهما الرئيس بوتين في مواجهة التحدي الاول...

بعد مرور اسبوع على دخول القوات الاوكرانية، في الأراضي الروسيّة وتوغلها في اقليم كورسك، يبدو الرئيس بوتين امام ثلاثة تحديات: التحدي الاول واقعي ومادي، والتحدي الثاني والثالث، تحديات افتراضية ومعنويّة، ولكنها لا تقل اهمية عن التحدي الاول، ولربما يعول عليهما الرئيس بوتين في مواجهة التحدي الاول .

التحدي الاول هو تحرير الأراضي الروسية، ولأول مرّة ومنذ بدء الحرب، نتحدث عن احتلال أوكراني لإراض روسيّة، وعن تحرير الأراضي الروسيّة، وللأمر بطبيعة الحال تداعيات كبيرة في سلبياتها على القيادة الروسيّة وعلى الشعب الروسي، وعلى مكانة وهيبة روسيا .

الاختراق الاوكراني للأراضي الروسيّة يضعُ المتتّبع لمسار الحرب بينهما، وخاصة الدول، امام تساؤلات واستنتاجات: خلل في الأسلحة الدفاعية الروسية او في القدرات الدفاعية الروسية؟ ام سلاح نوعي هجومي متفوق لدى القوات الاوكرانية، والذي هو (واقصد السلاح ) أمريكي وألماني؟

هل خُدِعتْ القيادات الروسية (السياسية والعسكرية) بخطاب الرئيس الاوكراني في منتصف شهر تموز، والذي تميّز بخطاب تصالحي، بل بخطاب مُستسلمْ؟ وبمسعى أوكرانيا تجاه الصين وتوسلها لإيجاد حلْ للحرب، مسعى تجسّد بزيارة وزير خارجية أوكرانيا، في نهاية أواخر شهر تموز إلى الصين؟ هل ظّنت روسيا باستحالة جرأة وقدرة الجيش الاوكراني، والذي يواجه قلّة في العديد، وشحّ في المعدات، وتصريحات غربية وناتويّة بتقليص المساعدات المالية والعسكرية، الاقدام على الهجوم والنجاح بتوغل مهم في عمق الأراضي الروسية؟

ثُّمَ كيف تفكّر الصين اليوم، بما اقدمت عليه أوكرانيا من عمل عسكري، يتناقض تماماً مع هدف زيارة وزير خارجيتها إلى الصين، لطلب توسطها في انهاء الحرب؟

ربّما، تتفهم الصين وتقتنع بما ستقدمّه أوكرانيا إليها، في ساعة العتاب، من ذريعة وقول ”نريد تحسين شروط المفاوضات بيننا وبين روسيا ” !

إستخدمَ زيلينسكي خدعة “التفاوض و وقف الحرب و السلام الخ …” وهو في ذات الوقت يعد العّدة لهجوم بري و اسع للتوغل في الأراضي الروسية، ذات الأسلوب المُتبعْ من قبل امريكا وإسرائيل في تعاملهما في حرب الابادة في غزّة، يوهمون العالم والرأي العام بأنهم يسعون للتفاوض وعقد صفقة وقف الحرب، ولكنهم في ذات الوقت يرتكبون المجازر الشنيعة، الواحدة تلو الأخرى .

ثلاثي ينهلُ، وبامتياز، من العقيدة الصهيونية والنازية .مَنْ يحتل اراضي روسيّة، الآن، ليس أوكرانيا او الجيش الاوكراني فقط، وانما امريكا و قوات الناتو، اي خبرات ومشورات واسلحة، وحتى مقاتلين من حلف الناتو .

لم تخفْ الادارة الامريكية رضاها عن التوغل الاوكراني في الأراضي الروسية، واعتبرته حقاً مشروعاً للدفاع عن أوكرانيا، وهذا الموقف الأمريكي والغربي يستفز اكثر الرئيس الروسي، ويدفعه إلى تنفيذ ما وَعَدَ به في حالة تعرض الامن الروسي والأراضي الروسية والسيادة الروسية للخطر، حيث هدّدَ عندما أعلنت الادارة الأمريكية قبل شهور عن نيتها بتزويد الجيش الاوكراني اسلحة استراتيجية نوعيّة، باستخدام الردع النووي، وهدّدَ ايضاً بتزويد اعداء وخصوم امريكا بسلاح استراتيجي، حال قيام امريكا بتزويد الجيش الاوكراني بسلاح استراتيجي. 

وهذان التهديدان (الردع النووي، وتجهيز اعداء امريكا في المنطقة بأسلحة استراتيجية) هما التحديان امام الرئيس بوتين، والذي وعدنا بهما او بأحدهما حين تعرض السيادة الروسية والأراضي الروسية للخطر. وهل اكثر من الاحتلال خطراً على السيادة الروسيّة؟

أقدمَ الرئيس الروسي، على ما يبدو، على تنفيذ ما وعدَ به، بتزويد خصوم امريكا في المنطقة، بما يحتاجونه من سلاح يزعج الأمريكيين واسرائيل. اوفدَ رئيس أركان قواته إلى ايران، وأنباء تشير الى تجهيز إيران فعلاً بمعدات عسكرية استراتيجية و متطورة، كما بدأت الفصائل المقاومة المسلحة في سوريّة بزيادة نشاطها وقصفها للقواعد الأمريكية وقوات قسد الموالية شرق الفرات في سوريّة .

اصبح التعاون بين روسيا و إيران استراتيجيا وفي المجال النووي، واصبحت المنشآت النووية الإيرانية تحت رقابة وحماية اجهزة الرصد و الدفاع الروسي. يمكننا الحديث الآن عن محور روسي -إيراني واسع يضّمُ الدول والحركات والفصائل المعادية للصهيونية والأطماع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وروسيا اليوم، تكاد تكون اكثر اندفاعا وتطلعاً حتى من إيران، في بناء هذا المحور وتفعيله وتوسيعه .

من بين نتائج الاستدارة الروسية، الكبيرة والسريعة، نحو محور المقاومة، هو رفض رئيس حماس يحيى السنوار العودة إلى التفاوض مع الكيان المحتل، ما اثار غضب امريكا قبل إسرائيل. ومحق جداً السنوار في رفضه للتفاوض، وخاصة بعد مجزرة صلاة الفجر، التي ارتكبها العدو وراح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى. لا يصّحُ الاستمرار في التفاوض والعدو الصهيوني مستمر بحرب الابادة وبالاغتيالات .

هل سنشهد جلاء سريعا للقوات الاميركية من شرق الفرات في سوريّة، تحسّباً منها لما ستقدم عليه روسيا من دعم وتمكين للفصائل المسلحة التي تقاتل القوات الأمريكية وقسد؟ هذا ما نشهده الآن و نتوقع زيادة ذروته في الايام القادمة .

ماذا يعني التوغل الاوكراني في الأراضي الروسيّة، والذي لم يتم بدون الدعم والسلاح الأمريكي والغربي المتطور، وفي هذا الظرف الذي يشهد توترا شديدا و ينذر بحرب اقليمية كبرى؟

يعني ان كل ما تدعيه وتصرّح به امريكا من مسعى للسلام وخفض التوتر والتصعيد، ما هو إلا كذب ونفاق وكسب وقت لتمرير جرائم الكيان المحتل ونتنياهو، وكسب وقت لتحسين قدرات الجيش الاوكراني. مَنْ يهّمه السلام العالمي وخفض التصعيد لا يلجأ إلى تبني سياسة الدعم اللامحدود لإسرائيل، وكذلك تمكين أوكرانيا، التي فقدت ثلث أراضيها، من الدخول في الأراضي الروسيَة، وقد قالها الرئيس بوتين مُسبقاً إذا سمحت امريكا لأوكرانيا باستخدام أسلحتها المتطورة في التوغل والاعتداء على روسيا، سنجهز اصدقاءنا واعداء امريكا بأسلحة مماثلة، وهذا يعني حتماً المزيد من التصعيد ،والمزيد من النذر بحرب عالمية .

بين روسيا وايران ومحور المقاومة تواصل يختلف في ابعاده واهدافه عن ما كان بينهما قبل احتلال الأراضي الروسيّة، هذا التواصل يطمئن المحور ويصّبُ في مصالحه ،ويُقلق اسرائيل كثيرا.

هل يعي نتنياهو تداعيات هذا التواصل، ويجبرهُ على الاسراع في الاتفاق مع حماس وبشروطها؟ لا أظّنُ ذلك. وقد تمادى وأسرف في جرائمه وأدمنَ على ارتكابها، مستقوياً بدعم امريكا والغرب، وعجز المنظمات الاممية والاسرة الدولية .

اضف تعليق