قد تمثل قرارات محكمة العدل الدولية في ادانة الكيان الإسرائيلي بمثابة مقدمات للاعتراف أكبر من المجتمع الدولي لاسيما الدول الاوربية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد يكون ذلك بابا باتجاه فرض مشروع حل الدولتين فرضا على الكيان الإسرائيلي للقبول به ومن ذلك ما عمدت به من إعلان ايرلندا...
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أدوار مهمة تؤديها محكمة العدل الدولية -احدى اهم الأجهزة القضائية التابعة للأمم المتحدة ومقرها في جنيف-، فقد عمدت في العقد الأخير الى التعامل بحزم مع قضايا جنائية وأصدرت فعلاً مذكرات توقيف والقاء قبض بحق العديد من رؤساء الدول، ومن ذلك ما أصدرته بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير وشخصيات عربية أخرى بالإضافة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية اجتياحه لأوكرانيا.
وقد اتسم موقفها في المرحلة الراهنة بالقوة والصرامة تجاه ما يدور في الأراضي الفلسطينية من عنف غير مبرر تجاه المدنيين العزل من الفلسطينيين في عدد من المناطق وابرزها قطاع غزة ورفح والضفة الغربية وغيرها، اذ اصدر الادعاء العام في محكمة العدل الدولية مذكرة القاء قبض بحكم رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو وعدد من قادة حكومته بتهم ارتكاب جرائم حرب والتطهير العرقي في موقف هو الأول من نوعه تتخذه محكمة العدل الدولية تجاه مسؤولين دوليين ضاربة بعرض الحائط كل الضغوطات الدولية ومنها تلك الصادرة من الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوربي المنحازة لإسرائيل، في حين رحبت دول اوربية واسيوية وعربية وإسلامية بموقف محكمة العدل الدولية باتجاه تجريم الكيان الإسرائيلي ورئيس حكومته نتنياهو.
ولغرض تحليل ابعاد قرارات محكمة العدل الدولية سنعرج على عدد من المسائل منها:
اولاً: تشير التقارير الى ان فلسطين انضمت لعضوية المحكمة الجنائية الدولية في 2015 الامر الذي واجه رفض عدد من الدول ومنها الكيان الإسرائيلي، عقب اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بها كدولة غير عضو في 2012، ويعد هذا التاريخ بمثابة تمهيد لفتح تحقيق جنائي ضد الكيان الإسرائيلي منذ عام 2021 وصولاً الى اصدار مذكرات قبض بحق عدد من المسؤولين الإسرائيليين في مرحلة ما بعد عملية طوفان الأقصى بعد ان تقدمت خمس دول أعضاء في المحكمة بطلب للتحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة.
ثانياً: ان تأسيس محكمة العدل الدولية منذ بدايتها واجه رفضاً من قبل الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة اذ هما من بين سبع دول فقط صوتت في الجمعية العامة ضد تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في 1998، ورغم توقيعهما على قانون المحكمة دون المصادقة عليه، إلا أنهما سحبتاه في 2002.
ثالثاً: تشير التقارير الى ان الكيان الاسرائيلي لم يكتف بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بل أشهرت في وجهها ورقة "معاداة السامية" كعادتها في التعامل مع أي انتقاد لممارساتها، وسيحاول الكيان الإسرائيلي أن يستعد أكثر لرد ما سمته الصحافة الإسرائيلية بالشكوك والادعاءات، التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، في أسرع وقت ممكن، محاولة ان تنزع الشرعية عن المحكمة لن يمحو هذه الوصمة كونها ستمثل فضيحة امام المجتمع الدولي وبصمة عار لكل الأجيال في تاريخ الكيان الإسرائيلي وتوثيق مستمر لسجال إسرائيل في انتهاك حقوق أبناء الشعب الفلسطيني، وسيزيد من عزلة الكيان الإسرائيلي، لأنه يأتي بعد المنتدى القانوني العالمي الثاني الذي بدأت المحكمة الجنائية الدولية النظر فيه فيما إذا كان ينبغي إصدار أوامر اعتقال ضد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ويوآف غالانت وزير دفاعه.
رابعاً: ان الاحكام التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في ادانة الكيان الإسرائيلي والدعوة الى محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي تعد تاريخية وان يكن هناك استحالة في تنفيذها من قبل أجهزة المحكمة لوجود اللوبيات والدول الضاغطة والمحافظة باتجاه إسرائيل، الا ان تلك الاحكام ستسهم في تحقيق عدد من الابعاد أهمها فضح إسرائيل امام المجتمع الدولي وتسهم بتعريتها كونها دولة قاتلة لحقوق الانسان بعكس ادعائها بكونها كيان مضطهد ويتعرض للانتهاكات في حين اثبتت احكام المحكمة العكس من ذلك من ان الكيان الإسرائيلي كيان قاتل منتهك لحقوق الانسان ويعرض شعب اعزل للاضطهاد والابادة الجماعية.
ومن التداعيات التي ستنجم عن قرارات محكمة العدل الدولية يتعين على الكيان الإسرائيلي الوقف الفوري لهجومها العسكري على مدينة رفح في قطاع غزة وفتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وكذلك ضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية، على اهتمام الصحف العالمية والعربية. وعنونت الكثير منها افتتاحياتها بقرار المحكمة مثلما اشارت عدد من التقارير.
خامساً: قد تمثل قرارات محكمة العدل الدولية في ادانة الكيان الإسرائيلي بمثابة مقدمات للاعتراف أكبر من المجتمع الدولي لاسيما الدول الاوربية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد يكون ذلك بابا باتجاه فرض مشروع حل الدولتين فرضا على الكيان الإسرائيلي للقبول به ومن ذلك ما عمدت به من إعلان ايرلندا والنرويج وإسبانيا أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى الضغوط التي تتعرض لها إسرائيل دولياً.
يبدو ان هناك أدوارا جديدة دخلت على خط الصراع العربي الإسرائيلي الذي تحول من القضية العامة الى محلية فلسطين وتبدو أدوار المحكمة الجنائية العليا تأتي في مقدمة تلك الأدوار، صحيح ان الأمم المتحدة كان لها مواقف رافضة لسلوكيات الكيان فضلا عن نشأة كيانه لكن تبدو الأدوار التي تؤديها المحكمة الجنائية العليا في هذه المرحلة توثق بشكل لا يقبل الجدل على جرائم الكيان الإسرائيلي باتجاه العزل في فلسطين وبهذا التجريم يفقد الكيان صورته مرة بعد أخرى حتى عند مؤيديه في بعض الدول مثل الولايات المتحدة الامريكية ويعزز في الوقت ذاته حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن ارضه ومقدساته بكل الوسائل.
اضف تعليق