كان الأردنيون يراقبون بقلق التقارب الخليجي–الصهيوني على حساب المكاسب الاردنية وحلحلة القضية الفلسطينية، بينما يبدو لهم أن نتنياهو قفز مباشرة إلى الخليج، "متخطيا" القضية الفلسطينية ساعيا إلى نظام إقليمي للسلام الاقتصادي الفعال. وهذا يزيد من القلق الاستراتيجي الأردني المتزايد لكن لجأ الاردن للصمت بسبب صفقة...
في عام 1988 قرر الأردن فك الارتباط الإداري بالضفة الغربية، اي فصل مستقبل الاردن عن القضية الفلسطينية، واعتبر في وقتها رد على النشاط العربي في وقت اندلاع ثورة الحجارة وتغييب اي دور للأردن، لكن الامر كان أعمق من قضية زعل، مما أضعف الدعم العربي للفلسطينيين في تلك الايام الصعبة، وكان هذا الأمر مقدمة لمباحثات السلام التي جرت بعد هزيمة العراق بحرب الخليج الثانية عام 1991، والتي بلغت ذروتها في حفل التوقيع في وادي عربة على الحدود الأردنية الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 1994، ليكون الاردن من اوائل المطبعين مع الكيان الصهيوني! لتتحول فيما بعد لأوثق علاقات عربية-صهيونية في المنطقة.
لكن لا يمكن الاعتقاد بتحقيق النصر، عبر الاتفاق مع الصهاينة على الصلح، بخلاف رغبة الشعب العربي في الأردن.
ماذا تحقق بعد 30 عاما من التطبيع
بعد مرور ما يقرب من 30 عاما، هناك شعور واسع وشديد بالمرارة وخيبة الأمل، داخل الطبقة السياسية الاردنية، فلم تتحقق العلاقة الاستراتيجية مع الصهاينة والتي كان يحتمل ان تكون كبيرة، فقط بقيت في جزء صغير ومحدود، فلم يحصل انفتاح اقتصادي بين الأردن والكيان الصهيوني، باستثناء بعض التعاون الاستخباراتي الكبير، الذي كان موجودًا قبل معاهدة السلام على أي حال، كما اعترف به الجانبان، وماتزال مشاعر عامة الشعب الاردني معادية للصهاينة حتى بعد مرور ثلاثين عاما على الصلح.
قتل ومحاولة اغتيال
بالاضافة لانعدام الثقة بين الطرفين، وبرزت بشكل جلي عام 1997 عندما حاولت الصهاينة اغتيال مسؤول كبير في حماس (خالد مشعل) داخل الاراضي الاردنية، ومعه اغتيال اردني بإطلاق نار من حارس أمن السفارة الكيان الصهيوني في الأردن، وتم ترحيل الجندي القاتل الى الكيان الصهيوني وقد رحب به رئيس الوزراء الصهيوني "نتنياهو" عند عودته، وكانت سياسة الأردن ضعيفة في ردود فعلها اتجاه هذين الحدثين، مع غليان الشارع الأردني الذي عبر عن عدائه للصهاينة وعدم اعترافه بالتطبيع.
رفض تجديد التأجير
وقابل التعنت الصهيوني مواقف متشددة لاحقا من الملك الأردني، ففي عام 2018 لم يفعل الملك عبد الله الكثير لتحسين العلاقات عندما رفض تجديد عقد إيجار منطقتين حدوديتين في وادي العربة، جيبي تزوفار ونهرايم، للاستخدام الزراعي من قبل الصهاينة، بعد انتهاء مدة الإيجار لمدة 25 عامًا في معاهدة السلام لعام 1994.
وهذه الخطوة لقيت ترحيب كبير من الشارع الاردني، الذي شعر اخيرا ان قيادته السياسية تفعل الصواب وتساند مطالب الجماهير العربية.
علاقات اقتصادية متقلبة
على الجانب الاقتصادي تشمل التوترات قيام الأردن بشكل دوري برفع الاحتياجات الحيوية مثل إمدادات المياه، وانهيار الخطط الطموحة لمشروع "الأحمر-الميت" الذي كان من شأنه أن ينقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت (الذي بدأ يجف)، لإنتاج الطاقة المائية.
إن الفوائد التي استمدها الأردن من المناطق الصناعية المؤهلة - والتي سمحت للأردن بتصدير البضائع من المناطق الأردنية المعفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، إذا كانت لديها نسبة معينة من المدخلات الصهيونية، تم استبدالها بالوصول المباشر إلى السوق الأمريكية عندما تتدخل الولايات المتحدة. وجاء معها توقيع اتفاقية التجارة الحرة الأردنية في عام 2001.
وبرز للسطح خمسة مشاكل اساسية تمثل العائق الحقيقي لأي اندماج بين الاردن والكيان الصهيوني، وهي:
اولا: مشكلة القضية الفلسطينية
من المؤكد أن مستقبل الفلسطينيين هو أحد أكثر القضايا إثارة للجدل بالنسبة للعائلة المالكة الهاشمية، إنها قضية داخلية، حيث يشكل الفلسطينيون الأغلبية العظمى من المواطنين الأردنيين، ولها تأثير مباشر على الهوية الوطنية للدولة وربما تهدد بقاء الهاشميين.
كان يُنظر إلى نموذج الدولتين كحل محتمل للقضية الفلسطينية، مع ترتيبات أمنية ونزع السلاح التي تأخذ في الاعتبار احتياجات الأردن وإسرائيل، على أنه إجابة مطمئنة لمخاوف الأردنيين، إن وجود كيان فلسطيني مستقل، يتمتع بعناصر السيادة، حتى ولو تم تقليصها، من الممكن أن يزودنا بالإجابة على التطلعات الوطنية الفلسطينية، وبالتالي يطمئن عموم السكان الفلسطينيين في الأردن، الذين ربما لم يعودوا يعتبرون أنفسهم لاجئين ساخطين. وفي الوقت نفسه، فإن شكلاً من أشكال الوجود الإسرائيلي أو المشترك أو الدولي في وادي الأردن سيكون بمثابة حاجز سياسي وديموغرافي ومادي بين المملكة الهاشمية والكيان الفلسطيني المستقل.
بالمقابل إن سياسة رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، والتي تهدف إلى تنحية نموذج "حل الدولتين" جانباً، غذت الشكوك الأردنية. وإذا تم تجاهل الطموحات الوطنية الفلسطينية بالكامل، فمن المرجح أن يتعرض الأمن والنظام الداخلي في الأردن للتهديد ــ وخاصة عندما يقوم بعض الإسرائيليين بإحياء نموذج "الأردن هو فلسطين".
ثانيا: القفز نحو الخليج
علاوة على ذلك، فيما يتعلق باتفاقات إبراهيم، كان الأردنيون يراقبون بقلق التقارب الخليجي–الصهيوني على حساب المكاسب الاردنية وحلحلة القضية الفلسطينية، بينما يبدو لهم أن نتنياهو قفز مباشرة إلى الخليج، "متخطيا" القضية الفلسطينية ساعيا إلى نظام إقليمي للسلام الاقتصادي الفعال. وهذا يزيد من القلق الاستراتيجي الأردني المتزايد... لكن لجأ الاردن للصمت بسبب صفقة اقتصادية كبيرة تجمع الأردن والإمارات والسعودية والصهاينة بقصة الممر الاقتصادي من الهند الى البحر المتوسط، ويبدو الرد الأردني على الفكرة الأخيرة التي رعتها الولايات المتحدة بشأن ممر النقل الذي يربط الهند بالبحر الأبيض المتوسط أكثر إيجابية، ولكن مرة أخرى، من دون تفاصيل، يصعب على أي شخص الحصول على رد ملموس، وكل شيء غير واضح وقد يكون مقلقا جدا فيمكن تجاوز الاردن والاتفاق بعيد عنه.
ثالثا: مشكلة بيت المقدس
أما المسألة الحاسمة الثالثة فتتعلق بالدور الأردني في القدس. عززت معاهدة السلام رسميًا اهتمام الأردن الخاص بالأماكن المقدسة الإسلامية في القدس وكرست السلطة الشامية على الوقف في الحرم الشريف/جبل الهيكل. وهذه النقطة مهمة بشكل خاص بالنسبة للأردن - فهي موطئ قدم استراتيجي يمنح الأردن كلمة في أي اتفاقيات مستقبلية تتعلق بالقدس.
في أعقاب اتفاقيات إبراهيم، خشي الأردن من أن يقوم الكيان الصهيوني "بمقايضة" الوضع الخاص للأردن في الحرم الشريف/جبل الهيكل واحتمال منحه للمملكة العربية السعودية، مقابل تقارب صهيوني-سعودي، مع كل ما قد يعنيه ذلك بالنسبة للصهاينة.
ومما زاد من هذه المخاوف حادثة أدت إلى إلغاء زيارة نجل الملك عبد الله، الأمير الحسين، إلى الحرم الشريف في مارس/آذار 2021). ولم يقبل الأردنيون التفسير القائل بأن الخلافات حول الإجراءات الأمنية تسببت في التأخير.
رابعا: الاقتصاد والديموغرافيا
أما التحدي الرابع الذي يواجه العلاقات الإسرائيلية الأردنية فيتعلق بالوضع الاقتصادي والديموغرافي والبنية التحتية الصعب في الأردن. واستوعب الأردن نحو مليون ونصف المليون لاجئ من سوريا والعراق، وهو ما يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد وتهديداً محتملاً للأمن الداخلي. ومع وجود عدد كبير بالفعل من اللاجئين الفلسطينيين، يجب على الأردن أن يتعامل مع نقص المياه والطاقة، وضعف البنية التحتية والاقتصاد المتعثر.
وقد أدى فيروس كورونا إلى تفاقم هذا الوضع. وأدى الضرر الذي لحق بالسياحة، وهي أحد الإيرادات الاقتصادية الرئيسية في الأردن، إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في المملكة. وبالتالي، فإن القرار الذي تم اتخاذه في اجتماع رئيس الوزراء الصهيوني والملك عبد الله في تموز/يوليو 2021 بالسماح بزيادة كبيرة في الصادرات الأردنية إلى السلطة الفلسطينية كان له أهمية كبيرة.
وفي الوقت نفسه، لا يزال النقص المزمن في المياه في الأردن يمثل أزمة حادة واستراتيجية. نص بند أساسي في اتفاقية السلام الصهيونية - الأردنية على توزيع مياه نهر اليرموك بينهما وإنشاء آلية لإمداد الأردن السنوي الدائم بالمياه من الكيان الصهيوني.
في أبريل 2021، خلال فترة الجفاف في الأردن والتي تفاقمت بسبب أزمة فيروس كورونا، طلب الأردنيون إضافة خاصة إلى إمدادات المياه السنوية من الصهاينة. في البداية، رفض "نتنياهو" الطلب الأردني، لكنه تراجع لاحقًا -بعد أن واجه انتقادات، بما في ذلك من الولايات المتحدة- ووافق على الامتثال. وغني عن القول أن هذا أدى إلى تعميق وتفاقم انعدام الثقة الموجود بالفعل بين الزعيمين.
خامسا: خطر داعش
الاردن محاصر بكمية كبيرة من المخاوف المتنوعة، بل حتى تنظيمات داعش ليست بعيدة عنه، خصوصا مع اللاجئين السوريين والعراقيين وهم اعداد كبيرة، بالإضافة لانتشار الفكر التكفيري بين الاردنيين المتشددين، فهو عامل اخر يهدد مستقبل المملكة خصوصا انها لا يمكن ان تعلن العداء للإسلام المتشدد لأنها في جبهة سنية واحدة ضد ايران، برؤية أوسع للإسلام السياسي في المنطقة، لكن داعش قنبلة موقوتة قد تنفجر يوما ما وتهدد استمرار وجود المملكة الهاشمية.
بالاضافة لتمدد الاخوان المسلمين منذ عقود بين الاردنيين واللاجئين الفلسطينيين، ليصبح تيار اسلامي عريض لا يلتقي مع سياسة المملكة ولا يمكن الاطمئنان له.
اضف تعليق