كان العديد من الكتّاب والمثقفين يتعرضون للاعتقال، بتهم تتعلق بالتحريض ضد النظام، أو نشر أفكار معارضة، او حتى بتهمة السعي للانقلاب، وبعض هؤلاء الكتّاب تم احتجازهم لفترات طويلة أو حتى بشكل غير محدد، وبعضهم حتى من دون محاكمة يتم زجه في السجن لسنوات طويلة. التعذيب هناك...

في زمن جمهورية الرعب التي أسسها صدام وحزبه كان كل شيء يخضع للرقابة الامنية المشددة، حتى الجهد الادبي مثل كتابة القصة او الرواية! خوف ان يمس أحد صورة الحكم التي يجب ان تكون زاهية، والا يتعرض الكاتب لأبشع انواع الاذلال والتعذيب، او يتم اعدامه كما حصل مع الكاتب حسن مطلك، والذي كان يعد اهم الاصوات الادبية الصاعدة، حيث تم اعدامه شنقاً في 18 يوليو من عام 1990، والتهمة جاهزة وهي اشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم، هكذا كانت الاجواء في العراق، حيث كان النظام يتعامل بقسوة شديدة، وعلى الظن والشبهة مع الادباء والكتاب.

ويمكن ان نوضح الصورة عن تلك الحقبة مما يعانيه اي جهد للكتابة (القصة او الرواية) في زمن الطاغية كانت تواجه العديد من المعوقات التي أثرت على الكتّاب والمبدعين بشكل عام. ومن أبرز هذه المعوقات:

الرقابة

من أكبر المعوقات كان يتمثل في الرقابة، حيث كان هناك رقابة صارمة على الأعمال الأدبية والفنية، أي نص يجب ان تتم مراجعته قبل الطبع والنشر، فإذا كان يتعارض مع سياسات الحكومة، أو يعبر عن احتجاج أو نقد للنظام، كان يعرض صاحبه للمسائلة القانونية أو حتى الاعتقال، وقد يدفع به للمشنقة او الى احواض التيزاب، لذلك ابتعد اغلب الكتاب عن النقد السياسي، وبعضهم ترك النشر للحفاظ على كرامته، واخرون استخدموا الرمزية للهرب من ملاحقات أجهزة النظام القمعية.

فكانت الاجهزة الرقابية معوق كبير امام الابداع الادبي، وفيما يخص كتابة الرواية. 

الموارد المحدودة

 كان العراق يعيش ظروف صعبة جدا بسبب عبثية السلطة العفلقية، والتي ادخلت العراق حربين (حرب ايران 1980-1988)، وما ان انتهت حتى عاد صدام لعنترياته الغبية ليدخل العراق حرب مدمرة اخرى (حرب الكويت 1990-1991)، وبعدها دخول العراق فترة الحصار شديدة القسوة بحق المجتمع الى عام 2003، كل هذا جعل العراق فاقد للكثير، حيث كانت هناك نقص في الموارد اللازمة للكتابة والنشر، بما في ذلك قلة دور النشر المحلية، وندرة المعارض الأدبية، مما جعل من الصعب على الكتّاب نشر أعمالهم.

فكان طباعة كتاب يمثل حلم كبير جدا صعب التحقق، لأي كتاب في تلك الفترة الصعبة، 

عقوبات نظام البعث

الكتابة الروائية والنقدية لممارسات السلطة او نقد الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد يمس السلطة ويعتبر انتقاد للنظام، ويصبح مباشرة ضد نظام صدام حسين، وكانت هكذا امور تعرض الكتّاب لمجموعة من العقوبات القاسية، التي تتراوح حسب طبيعة النص المكتوب ومدى تأثيره في النظام. ومن أهم العقوبات التي كان يمكن أن يتعرض لها الكتّاب: 

1. الاعتقال: كان العديد من الكتّاب والمثقفين يتعرضون للاعتقال، بتهم تتعلق بالتحريض ضد النظام، أو نشر أفكار معارضة، او حتى بتهمة السعي للانقلاب، وبعض هؤلاء الكتّاب تم احتجازهم لفترات طويلة أو حتى بشكل غير محدد، وبعضهم حتى من دون محاكمة يتم زجه في السجن لسنوات طويلة. 

2. التعذيب: هناك تقارير كثيرة تتحدث عن تعرض المعتقلين إلى التعذيب الجسدي والنفسي في السجون، مما يمثل أحد أبشع صور القمع، حيث عمل نظام صدام على تطوير وسائل التعذيب كي تكون رادع عن اي فكرة نقد للسلطة، فقط السمع والطاعة، والا الاذلال التام وبكل وحشية. 

3. التهديد والابتزاز: كان الكتّاب يتعرضون لتهديدات مباشرة، سواء ضدهم أو ضد أسرهم، مما يجبر الكثير منهم على التراجع عن التعبير عن أفكارهم، كي يحافظوا على كرامة عوائلهم من بطش السلطة واجهزتها القمعية. 

4. الفصل من العمل: الكتّاب والمثقفون العاملون في المؤسسات الحكومية أو التعليمية كانوا قد يفقدون وظائفهم بسبب آرائهم أو كتاباتهم، وحصل هذا الأمر كثيرا في فترة الثمانينات، حيث كان النظام شديد القسوة مع كل ما يمكن ان يحسب انه صوت معارض. 

5. الاغتيال: في بعض الحالات، تم اغتيال كتّاب معارضين بشكل علني، وفي كثير من الأحيان كانت تلك عمليات اغتيال تُنفذ بطريقة تخيف الآخرين، فالقتل امر سهل جدا للسلطات البعثية، وهي تعمل به لأنه يزرع الرعب في قلوب أبناء المجتمع. 

6. الرقابة: كان هناك رقابة صارمة على المواد الأدبية، مما يعني أن الكثير من الكتب لم تتمكن من النشر، وأي عمل يشتبه في كونه مُعارضاً كان يُحظر تمامًا، كانت الأجواء بوليسية تماما، وكان على الكاتب ان يكون حذر جدا والا تفسر كلمة منه باعتبارها محاولة لقلب النظام.

أشهر الأعمال التي تناولت زمن البعث

هناك العديد من الأعمال الروائية التي تناولت نظام صدام، وواقع الحياة تحت حكمه، وبعض هذه الأعمال كانت مباشرة في انتقادها، بينما تناولت أخرى الظلم والمعاناة بشكل رمزي، إليك بعض من أهم هذه الأعمال: 

1. "البلد الجميل" للكاتب أحمد سعداوي: تناولت بجرأة واقع الحروب وآثارها على المجتمع العراقي وعلى أحلام الإنسان القليلة، وتحكي قصة حب معقدة تتضمن أشباح حبيبة البطل. وتعتبر هذه الرواية أيضًا دراسة عن الحي الشعبي الكبير في بغداد، مدينة الثورة الصدر، وصراع أبنائه مع مصائرهم، وحال البلد تحت حكم الاستبداد البعثي.

2. رواية "دهاليز للموتى" للكاتب حميد الربيعي: هي أول رواية عن غزو الكويت، وما فعله صدام من جريمة كبرى، وربما هي الروايةُ الأولى في العراق التي نظرت إلى هذا الحدث من أرض الواقع، بعين عراقية، لأن هناك روائيين كويتيين كتبوا عن ذلك، طبعاً من وجهة نظر كويتية منفعلة، ومن هنا تأتي قيمة هذا العمل الروائي، صحيح أن الرواية لم تكن تأريخا أو توثيقا لما حدث؛ لكنها نقلت جزءاُ غير قليلٍ مما حصل في مسرح الأحداث.

3. رواية «الحقد الأسود»، للكاتب شاكر خصباك، والتي عنونها لاحقاً بـ«السؤال»، وتناول فيهما التعذيب خلال الفترة التي جاء فيها البعث لحكم العراق بعد الانقلاب على عبد الكريم قاسم، كان خصباك أحد معتقلي ذاك الانقلاب، هو لم ينضم الى الحزب الشيوعي، لكنه كان من المقربين له؛ روايته "الحقد الأسود" هي ذاكرته وذكرياته وهو في معتقل "قصر النهاية"، رأى كل صنوف التعذيب والالم، لم يبخلوا عليه بأية وسيلة للتنكيل به، شاهد عمليات التعذيب وسمع انين وتأوهات المعذبين، ووقف على المنتحرين والذين يموتون تحت التعذيب، سمع قصص الاغتصاب التي كانت تجري؛ بعد ستة أشهر قضاها بمعتقلات الحرس القومي، سارع ليسجل ما علق في ذاكرته، فكانت سفر من 150 صفحة مليئة بالاسى والحزن.

4. رواية سفاستيكا، للكاتب علي غدير، سفاستيكا هي كلمة سنسكريتية الأصل، تعني «مفض إلى الرفاهة»، لها رمز يتمثل بصليب معقوف، اعتُبر منذ القدم رمزا للازدهار والحظ السعيد، وسبق أن عرفه العراقيون والهندوس والهنود الحمر، تناول الكاتب فترة صعود صدام وصور لنا سلوكيات العائلة الحاكمة الغريبة، وحاول الكاتب من خلال روايته هذه أن يثبت إمكانية أن يصنع الإنسان لنفسه حظا سعيدًا، يلغي الاعتقاد السائد بأن الإنسان يولد سعيدا أو شقيا، فهو يجذب الخير من خلال التفاؤل به، ويجذب الشرّ من خلال التشاؤم به.

اضف تعليق