يعالج الفساد الإداري والمالي بمضاداته الفعالة وذلك برفع مستوى الأجهزة الحكومية من خلال البحث عن الكفاءة في الأفراد والمعدات والأداء. فيجب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والغاء المحسوبية في تعيين الكفاءات التي يجب أن تتحصن بالقيم المهنية كالمعرفة التامة والنزاهة والتفاني في العمل والانضباط...
ما هي أبرز المعوقات التي تواجه الاصلاح الاداري في العراق، وما هي الآليات المقترحة لمكافحة هذه الآفة الخطيرة التي تفتك بالاقتصاد العراقي؟
تسمو الأمم وتنحدر في مفارقة بين مفردتي الإصلاح والفساد، فالأمة التي ترتضي لنفسها الصلاح والإصلاح تنجو من مغبة الضلالة والأمة التي ينخر بنيتها الفساد تأفل وتضمحل.
الإصلاح في كيان الأمة له أوجه وصنوف ومن أهمها الإصلاح الإداري والمالي وهذا ما يمهد السبيل للإصلاحات الأخرى برمتها. يمكننا تعريف الإصلاح الإداري بأنه "عملية تصحيح لخلل أو لفساد أو لتقصير في منظومة الجهاز الإداري للدولة، وهو أساس صيرورة الدولة ومحور نهوضها وتقدمها في خططها التنموية وفي إدارة شؤونها الحيوية من سياسية واقتصادية مالية واجتماعية ثقافية وغيرها وعلى أنسب وجه".
من خلال هذا التعريف يمكننا القول بأن بنية الدولة قد تنهار في خراب أساسها، والأساس كما أسلفنا هو "صلاح الإدارة". من هذا المنطلق تتوضح ضرورة معرفة مفهوم الإصلاح بصنوفه وانواعه وبالأخص الإصلاح الإداري والمالي في شؤون الدولة ومعرفة الآليات والأهداف والمعوقات والتحديات التي تواجه عملية الإصلاح هذه.
الإصلاح هو أمر شمولي وجهد جماعي منظم يبدأ برأس الهرم في السلطة ويمر بمؤسسات الدولة وينتهي بأفراد المجتمع. الهدف المتوخى من الإصلاح هو تنظيم وتحسين ورفع مستوى العطاء في مرافق الدولة الإدارية والمالية والإنتاجية والخدمية والصحية وغيرها.
آليات الإصلاح بكل أنواعه يمكن ايجاز بعضها بخطوات ومطالب وضروريات وهي كالآتي:
أولا/ مكافحة الفساد:
يعتبر الفساد الإداري والمالي في كيان الدولة ومؤسساتها من بين أهم التحديات التي تواجه عملية الإصلاح برمته. يعالج الفساد الإداري والمالي بمضاداته الفعالة وذلك برفع مستوى الأجهزة الحكومية من خلال البحث عن الكفاءة في الأفراد والمعدات والأداء. فيجب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والغاء المحسوبية في تعيين الكفاءات التي يجب أن تتحصن بالقيم المهنية كالمعرفة التامة والنزاهة والتفاني في العمل والانضباط والشعور بالمسؤولية وكسب ثقة الآخرين.
يضاف إلى ذلك إتباع سياسة ترشيد الاستهلاك والانفاق والصرف ووضع آلية للمراقبة والإشراف والتحري. للفساد المالي اثر كبير في طريق الإصلاح ويتجلى هذا الفساد بعدة مظاهر ووجوه ومنها: السرقة ونهب المال العام، الرشوة والابتزاز، التزوير والغش، غسيل الأموال وتبيضها، المحسوبية والمنسوبية وغيرها. يؤثر الفساد المالي سلبا على كثير من الأصعدة ومنها الجانب الإقتصادي للدولة، وذلك من خلال هدر المال العام وإعاقة النمو وخرق روح التنافس وتبديد الموارد وابتعاد المستثمر الذي يفقد الثقة بهيبة ومصداقية الدولة الفاسدة ومؤسساتها.
فوق هذا وذاك فإن الفساد المالي يعمق الهوة الكائنة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة وذلك بسبب الإرباك الحاصل في عدالة توزيع الثروة والموارد المالية بين الطبقتين. هذه الأمور برمتها تزيد من حالة عدم الإستقرار السياسي في الدولة مما ينعكس سلبا على حالة الإقتصاد أيضا.
الفساد المالي هو خرق للقيم والأخلاق وخلق حالة عدم التكافؤ الاجتماعي واللاانصاف، وهذا بحد ذاته يكفي لزعزعة الأمن الاجتماعي والقومي من خلال طعن مبادئ العدالة والنزاهة في المجتمع وتدني النشاط الخدمي والانتاجي وعرقلة الإصلاح الإداري وتقويض سيادة القانون.
محاربة الفساد المالي المستشري في شرايين الدولة ومؤسساتها مهمة صعبة وتتطلب جهودا جبارة يشارك فيها المجتمع برمته أفراد ومؤسسات وقيادات. تفعيل سلطة العدالة والقانون ومؤسسات الرقابة والنزاهة من أجل قطع دابر هذا المرض الإجتماعي الوخيم، هو امر لا مفر منه في إصلاح هذا النوع من الفساد.
ثانيا/ سياسة الثواب والعقاب:
تحفيز وتشجيع ودعم الكادر الإداري من أجل الانتفاض على نفسه وإصلاح ذاته بذاته وذلك من خلال خلق حالة المنافسة في إسداء العطاء والتسابق نحو الإبداع والالتزام بالنزاهة وإبراز الكفاءة. إجراءات التمايز بين الأفراد على ضوء هذه الأمور يعتبر ركيزة للتشخيص والمقارنة بين الصالح والطالح، وهذا يسهل عملية الفرز بين المستجيب لحركة الإصلاح وغير المستجيب لها. عندها يحصل الثواب في مكافأة من استجاب ويحل العقاب بمن لم يستجب، ضمانا للمصلحة العامة. الاجراءات الممتدة لتحقيق هذا الأمر تستوجب الصراحة والشفافية والعدالة والوضوح من أجل الصدق في تشخيص الحالة والتعامل معها بما يقتضي الأمر بإرادة ثابتة لا تتأثر بالضغوط الداخلية والخارجية او العواطف.
ثالثا/ تطوير العنصر البشري:
ذلك من خلال مواكبة حركة التطور وبالاستئناس بالأفكار والطرق الحديثة وبما يستجد من بحوث تخصصية جديدة وخبرات عملية سابقة تهدف إلى الوصول للغاية وهي الإصلاح الناجع الذي يحقق أهداف المجتمع المرجوة على كافة الأصعدة. إتباع استراتيجيات أكاديمية متخصصة سواء أكانت شمولية الطابع أو جزئية، دائمة التطبيق أو مؤقتة، وذلك حسب مستلزمات الظرف ومقتضيات الحالة.
من لوازم هذا التطوير أيضا هو إقحام منظمات المجتمع المدني في المشاركة الفعلية بمعالجة الحالة وفي عملية صنع القرار وبرفد الكفاءات الكامنة لديها في تطوير الكادر الإداري المعني في عملية الإصلاح واغنائه بالنصائح والارشادات المناسبة.
تطوير العنصر البشري يتم أيضا من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية المتبعة وعدم تعقيدها.
الإستجابة للمطالب المنطقية للمواطن في توفير الخدمات المطلوبة والضرورية وتوفير بيئة العيش المناسبة هي أسلوب للتطور وتعتبر من الأمور محسومة القرار ومن يتهاون فيها أو يناقضها يجب أن يتعرض للمساءلة والحساب.
مهما يكن من أمر، فالظروف السياسية الاستثنائية التي مر بها العراق في فترة ما قبل التغيير قد تجلت بقرارات لسلطة عشوائية جرت البلاد إلى حروب كارثية طويلة بمدتها خطيرة بمضاعفاتها. تبعها ظروف سياسية استثنائية أخرى بفترة التغيير وما بعدها، حيث اقتحمت الديمقراطية غير المحسوبة مجتمعا يعاني من الحرمان والقهر والتباين لا يملك ثقافة الديمقراطية وادبياتها، وقد ابتلى بنظام محاصصة سياسية فتحت عليه باب المحسوبية والمنسوبية على مصراعيها، فتجلى الفساد بكل صنوفه واوصافه ففاق بدرجته ومداه ما وصف منه في المجتمعات الأخرى! وهذا ما يجعلنا أن نستشرف على أن العلاج الموصف للحالة لن يكون علاجا سهلا يشفي العلة كما ينبغي الا إذا توفرت الإرادة الصادقة والبيئة المناسبة والآلية الصحيحة للإصلاح والتصحيح!.
اضف تعليق