الواسطة هي الفساد، وهي تدمير لكل المميزين والمجتهدين والطامحين، على الحكومة وقف الواسطة والعمل بالنظام المؤسسي المتعارف عليه، وذلك بالتعيين من خلال مجلس الخدمة الاتحادي المعني بالتوظيف المدني، وضرورة ان يكون ذلك عن طريق الإعلان الرسمي للوظائف، وأن تكون هناك عدالة في اختيار الموظفين دون محاباة ودون تمييز...
في الحقب الزمنية الماضية كان المعيار الأول للتوظيف في المؤسسات الحكومية هو المؤهل العلمي، أي ان يكون الفرد حاصل على الشهادة بغض النظر عن انها شهادة ابتدائية او متوسطة او اعدادية او جامعية، الأهم في الموضوع هو وجود هذا التحصيل الدراسي، وتقوم الحكومة بتوفير فرصة عمل في مؤسساتها بما يقابل هذه الشهادة، اما اليوم فقد غُيبت هذه المعايير وحل مكانها المعيار الأبرز وهو الواسطة الذي يعد وجه من وجوه الفساد.
قضية التوظيف في العراق كانت ولا تزال يشوبها الكثير من الشبهات، ففي السنوات الأولى بعد تغيير النظام، كانت تجري بأسلوب المساومة العلنية مع الشخص المتقدم للوظيفة، يعطي حفنة من الأموال مقابل ضمان العمل في احدى الوزارات، ولان حاجة البلد تتركز في الجوانب الأمنية.
فأن الوظيفة الأكثر اتاحة هي الانخراط ضمن الصنوف الأمنية، التي استوعبت الآلاف من العناصر، نظرا لهشاشة الوضع الأمني وتوجه الحكومات حينها لإحكام السيطرة على المدن ومنع الخروقات الأمنية، فتجد الاعداد آخذة بالتزايد سنة بعد أخرى، مع تخصيص ميزانيات مخيفة للجوانب الأمنية علّها تسهم في التعجيل بالاستقرار.
وفق هذا التوجه بالتأكيد يقل الاهتمام بالوظائف المدنية في وزارات الدولة الأخرى ومديرياتها وهيئاتها المستقلة وغيرها، وتجري الأمور بعيدا عن عدسة المجهر المتمثلة هنا بالرقابة الجماهيرية وضعفها في تتبع الأخطاء الواردة في ملف التعيين وما يحصل خلف الكواليس.
بعد التخمة الكبيرة التي وصلت اليها الوزارات الأمنية، وتزايد اعداد الخريجين الباحثين عن فرص عمل تلبي متطلبات الحياة، اخذ الشباب يبحثون عن استقرار مقبول، يودون تكوين اسرة بسيطة مؤمن لها قوتها اليومي، وبعضهم يبحث عن مكانة اجتماعية تساوي اتعاب الدراسة ومصروفاتها الكثيرة.
التضخم الهائل في اعداد الخريجين دفع بهم الى التظاهر والنزول الى الشارع للمطالبة بالتعيين، وحصل لبعض الفئات ما كانت تخرج لأجله، عينت الآلاف وتركت آلاف أخرى نظرا لقلة الفرص والدرجات الوظيفية في المؤسسات الحكومية، فضلا عن عدم الشروع بتوسعة أي مؤسسة بما يلاءم الزيادة الكبيرة في الاعداد، وهنا تضاعف الضغط عليها.
شحة الوظائف فتح الباب على مصراعيه امام قضية المحسوبية، والعودة الى المربع الأول الذي وقفنا فيه بعد تغيير النظام، عاد التعيين مقتصرا على فئات واشخاص محددين، ليس لديهم ما يؤهلهم سوى انهم أقرباء لشخصية حكومية فرضت هيمنتها واستغلت المنصب أبشع استغلال.
ولمعالجة هذه القضية الشائكة تضمن الدستور العراقي 2005 في المادة (107) تأسيس مجلس الخدمة الاتحادي ومهمته تنظيم شؤون الوظيفة الحكومية في البلاد، ومن خلال متابعة هذا الملف، نجد أن تأسيس هذا المجلس مر بمراحل عصيبة في البرلمان العراقي لعدة دورات، على الرغم من أهميته ككيان مهمته تنظيم شؤون الوظيفة الحكومية في البلاد.
فكرة مجلس الخدمة الاتحادي يمكن وصفها بانها علاج شامل وقادر على تجاوز جميع الإشكاليات التي صاحبت عملية التوظيف، ومن الممكن إضافة بعد التعديلات على شروط التعيين من خلال بوابته الالكترونية.
فمن بين الشروط المفترض اضافتها هي وضع اختبار للمتقدم يكون الفيصل في قبوله من عدمه، فلا يكفي التوظيف دون مهارة تمكن الموظف الجديد من العمل ولو بأقل نسبة من الخبرات ومن ثم تحدث عملية التراكم سنة بعد أخرى الى حين بلوغ مرحلة الاحتراف في تأدية المهام الوظيفة.
وقد يحتاج لتوفير هذه المهارة معاهد وأماكن متخصصة تحت اشراف موظفين قدامى ينقلون خزانة خبراتهم مهارتهم المتكونة عبر السنين الى الجيل الجديد لضمان ديمومة الانتقال السلس للمعلومات وعدم وقوفا عند حد معين.
الواسطة هي الفساد، وهي تدمير لكل المميزين والمجتهدين والطامحين، على الحكومة وقف الواسطة والعمل بالنظام المؤسسي المتعارف عليه، وذلك بالتعيين من خلال مجلس الخدمة الاتحادي المعني بالتوظيف المدني، وضرورة ان يكون ذلك عن طريق الإعلان الرسمي للوظائف، وأن تكون هناك عدالة في اختيار الموظفين دون محاباة ودون تمييز.
اضف تعليق