من اللازم الالتفات الى حاجة المرحلة لعملية إصلاح قانوني واسعة، تستهدف أول ما تستهدف القوانين التي تصادر الحريات العامة وحقوق الإنسان، وإجراء مسح شامل لكل التشريعات والقوانين التي صدرت في عهود الاستبداد، من أجل إجراء عملية إصلاح أو تغيير شاملة، وصولاً الى تشريعات وقوانين ونظم تليق بالحياة الجديدة لعراق ما بعد التغيير...
أية جماعة بشريَّة تحتاجُ الى ما ينظم حياتها والعلاقة بين أفرادها. فقد يكون هذا التنظيم مجموعة أعراف وتقاليد اتفقت عليها الجماعة واحترمتها بمرور الزمن.
ومع تطور الحياة وتعقيدها أصبحت الحاجة أكثر لتطوير وضبط إيقاع شؤون الحياة للتجمعات البشريَّة، قبيلة أو مدينة أو قرية.
وهكذا اكتشف أجدادنا الرافدينيون الحاجة للقانون الذي يعبر عنه بمجموعة من القواعِد تُحدّد حقوق الأفراد وواجباتِهم، ويضع الجزاء أو العقوبة المُناسبة لمُخالفة تلك القواعِد والأُسُس، ويُطبّق من قبل السلطة الحاكمة.
فهناك قانون أورنمو الذي يعود للقرن الـ 21 قبل الميلاد، كأقدم قانون مدوّن موجود حالياً، إذ ظهر هذا التشريع القانوني في عهد الملك أورنمو مؤسس سلالة أور الثالثة، الذي نقل الحكم نحو مدينة أور.
ويمثل قانون (أور ـ نمو) جانباً مشرقاً في الإرث القانوني وقد كتب على عددٍ من الألواح الفخارية باللغة السومرية، ويسبق تاريخهِ قانون حمورابي بثلاثة قرون.
وأعقبه قانون (لبث ـ عشتار) أحد ملوك سلالة (ايسن) من العصر البابلي القديم الذي سُطَّر كذلك باللغة السومريَّة على ألواح الطين. أما قانون الملك (بلالاما) من سلالة اشنونا إحدى ممالك العصر البابلي القديم المهمة، فقد كتب بالخط المسماري ايضاً وباللغة البابليَّة القديمة.
وقد كتب حمورابي في مقدمة شريعته عن مبرر وضعه للوائح القانونية أو ما سمي بشريعة حمورابي (ولكي لا يضطهد القوي الضعيف، ولكي ترعى العدالة اليتيم والأرملة. لأحكم البلاد بالعدالة.. ولأوطد النظام في البلاد،
ولكي أمنح العدالة للمظلوم)، فيبرز هنا التدرج والتطور في المنظومة القانونية الرافدينية تبعاً لتطور الحياة ومواجهة متطلباتها.
وفي عصرنا الحديث يعدُّ القانون إحدى مؤسسات الضبط الاجتماعي والتأطير القانوني للحياة الاجتماعية والسياسيَّة والاقتصادية من أجل تنظيم حياة المجتمع والدولة والعلاقة بينهما.
والقانون يحافظ على وحدة المجتمع واستقراره من خلال توفير الحرية والأمن والعدالة عبر الالتزام بالنظام والقواعد التي تأمر بها السلطات العليا.
وقد سعى الإنسان الى إقامة دولة القانون التي تؤطر عملها ومؤسساتها بأطر قانونية تنظم عملها وعلاقتها بمواطنيها، فيصبح القانون هو وسيلة وأداة تنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، والدستور هو أحد القوانين بل مصدر القوانين ومرجعيتها وإطارها الذي يمنحها الشرعية او يسلبها منها، فيصبح أي قانون يتعارض مع الدستور لا قيمة له.
وبقراءة سريعة للتشريعات والقوانين التي كانت نافذة قبل 2003 نتبين كم كانت تنظر باستهانة لمعاناة الإنسان وهو يرزح تحت مظالمها، فباستطاعة أصغر موظف في الدولة أنْ يوجه إهانة للفرد، أو يصادر حقوقه المادية والمعنوية من دون أي رادع ومن دون أنْ يخضع للمحاسبة، أو قد يعتقل الإنسان ويخضع للتعذيب والإهانة من دون أنْ يوجه له أي اتهام، أو يقال له إنَّ ما حدث لك كان نتيجة سوء فهم. وفي بعض الأحيان يعدم بطريق الخطأ، أمثلة كثيرة لسنا في مجال الوقوف عندها. وبعد كل عمليات تغيير كبيرة وواسعة كالتي حدثت في العراق بعد 9 نيسان 2003 يصبح من اللازم الالتفات الى حاجة المرحلة لعملية إصلاح قانوني واسعة، تستهدف أول ما تستهدف القوانين التي تصادر الحريات العامة وحقوق الإنسان، وإجراء مسح شامل لكل التشريعات والقوانين التي صدرت في عهود الاستبداد، من أجل إجراء عملية إصلاح أو تغيير شاملة، وصولاً الى تشريعات وقوانين ونظم تليق بالحياة الجديدة لعراق ما بعد التغيير، إذ تتغير القواعد القانونيّة باستمرار؛ وذلك تبعاً لِلتطوُّرات والتغيُّرات التي تحدُث في المُجتمع، بل هناك قوانين أشار الى أهمية تشريعها الدستور لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إذ أشار في أكثر من (60) مادة (وينظم بقانون) وبهذا أعطى للمشروع مرونة في تحويل المواد الدستورية الى تفصيلات قانونيَّة.
اضف تعليق