إذ ندعو بالخير والبركة والسلامة عند نزول الغيث، وإذ ندعو لحصر السلاح بيد الدولة، وإذ نعبّر عن احترامنا الشديد وثقتنا بالمتنبئين الجويين، وإذ غرقنا وتبللنا ولم نحمل المظلات لكثرة وغزارة التوقعات، وإذ نعرب عن قلقنا الشديد، ندعو كذلك الى حصر التوقعات بهيئة الأنواء الجوية، لمنع ولادة حالة إنفلات جديدة تُغرق السفينة بسبب كثرة الملاحين...
تقول العرب أن كل ما زاد عن حده إنقلب الى ضده، والحال ينطبق على كثرة المتنبئين الجويين الذين ينهالون علينا كالمطر بالتوقعات المخيفة كلٌ حسب خبرته ورؤيته وسباقه مع أقرانه والهيئة الأم، وكان يكفينا جهة حكومية مركزية واحدة هي هيئة الأنواء الجوية.
لكن الديمقراطية العراقية مفرطة بالزيادات والإنفلاتات، وهي نوع فريد من الديمقراطيات الغزيرة كالمطر حين يزيد عن حده، والديمقراطية العراقية تطلق العنان للألسنة بلا حدود ولا تراخيص ولاجدوى او ضرورة ملجئة، وهكذا هي الديمقراطية وإلا فلا، مع أن كل توقعات المتنبئين الجويين بهطول أمطار غزيرة، صدَقَت وشهِدت مدن العراق خلال الأيام الماضية هطول أمطار غزيرة أوقفت حالة الخوف من شح المياه حتى شبعت الأرض وخرجت وزارة الموارد المائية ببيان يبشّر بإرتفاع مناسيب المياه في الأنهر والسدود والأهوار وزيادة الخزين المائي وتأمين إحتياجات الموسم الصيفي القادم، وأصبحنا نشهد حالات تسابق بين المتنبئين وهيئة الأنواء الجوية.
حتى أصبح السباق من أجل السباق بإعلان بعضهم لهطول الأمطار في الشتاء للحصول على قصب السبق دون مواعيد ومناطق محددة (ليضرب ضربته) مادام ليس في الأمر حساب ولاعتاب ومن الطبيعي هطوله في الشتاء ( ومنذ أنْ كنّا صغاراً، كانت السماءْ تغيمُ في الشتاءْ ويهطل المطرْ)كما يقول بدر شاكر السياب في قصيدته الجميلة أنشودة المطر، وكيف ترقص الأضواء ويعشب الثرى ويفرح الأطفال ويشعر الوحيد فيه بالضياع، وأي حزن يبعث المطر، او واهب الحياة، وهو أشمل وأجمل وصف للمطر من كل الأوصاف والمسميات الكثيرة التي جاءت بها العرب في لغتها الغزيرة المعاني والكاملة الأوصاف،التي تفرّق بين الغيث والودق والطل والوابل والرذاذ والبغش والجود والعين والقطقط، والرجع إن تكرر واليعلول إن تتابع، والشآبيب لو جاء على دفعات، والخدر لو أجبر الناس على لزوم البيت، وما الى ذلك من غزارة في المعاني والأوصاف ألهمت الشعراء على تخيّل المطر في ابتسامة الوليد وفي الموت والحياة والجياع والعراة والمهاجرين وفي العصافير والشجر ومقلات العيون ساعة السحر.
وإذ ندعو بالخير والبركة والسلامة عند نزول الغيث، وإذ ندعو لحصر السلاح بيد الدولة، وإذ نعبّر عن احترامنا الشديد وثقتنا بالمتنبئين الجويين، وإذ غرقنا وتبللنا ولم نحمل المظلات لكثرة وغزارة التوقعات، وإذ نعرب عن قلقنا الشديد، ندعو كذلك الى حصر التوقعات بهيئة الأنواء الجوية، لمنع ولادة حالة إنفلات جديدة تُغرق السفينة بسبب كثرة الملاحين.
اضف تعليق