q
من اجل الخروج من نفق الهزيمة لابد التصدي لموجة الاغتراب داخل الوطن وموجة الاحباط، على الجانب الاخر لابد على القائد والمفكر أن يتحول من متأثر إلى مؤثر وصانع لأفكار وقيم جديدة تقوم على الاستقلالية المسؤولة، وعلى المنظمات المستقلة تقع مسؤولية في تغيير الصورة النمطية وجعلها ايجابية، من اجل أن تحيي الاصالة والقيم ...

لماذا ثقافتنا قاصرة عن تقديم التجسيد المعنوي والمادي الذي يشبع منزلة الإنسان لدينا ويحمي فرديته وقيمته، ولماذا يدهمنا شعور شبيه بالتبعية للآخر، أين الخلل بالضبط، ما هي الأسباب، وهل من معالجة؟

ينظر الفرد المسلم أو العربي بانبهار للغربي، لعقليته، طريقة تفكيره، ملبسه، مأكله، تعليمه، وحتى صحته، أو شكله الخارجي، لون العيون، والشعر، والبشرة، والسلوك، يقارن كل هذه التفاصيل بالخشونة والاختلاف الذي تظهر فيه شخصيته، حتى حالة الانفعال والحدّية التي يظهر بها المسلم، يعزوها كثيرون الى طبيعة الثقافة الحادة وبعضهم يصفها بالجافة، فيتحرك ذلك الشعور بالدونية في أعماق الفرد العربي عندما يقارن بين ثقافته وثقافة الغرب.

ان فكر الهزيمة الذي ينتج التبعية الفكرية جاء من عاملين اساسيين وهما العولمة والحرب النفسية وتتفرع منهما مفاهيم أخرى الحداثة والتغريب، بداية العولمة هي عبارة عن صورة من صور الاستعمار الفكري تقوم على اختراق المجتمع واستبدال الاصالة بقيم جديدة، وبالتالي هي تقوم بتشويه الافكار القائمة في المجتمع من خلال مجموعة ذرائع وحجج جاذبة كالحرية المطلقة وطرح الافكار واشاعة الثقافات، وهذا اشبه ما يكون بدس السم بالعسل، وهنا يمكن أن نأتي على ذكر مدى خطورة الهزيمة الفكرية التي تنتتج التبعية الفكرية. وهي تأتي من جانبين الجانب الاول هو اختراق المجتمع بقيمه وعقائده وكذلك اختراق المؤسسات الاجتماعية والتعليمية، وهذا الاختراق سيخلق مجتمع سلبي ومهزوم، لذا فإن السؤال الاهم هنا كيف نتحرر من التبعية الفكرية.

وعلى المستوى الاعلامي يشكل غياب الاعلام الحر عاملا اساسيا في القيود الفكرية وهو ما خلق لدينا فكر انهزامي في مجتمع غير قادر على العطاء، وهو ما جعل من فكر الهزيمة اشبه المرض النفسي الذي يحتاج إلى علاج نفسي قبل كل شيء، خصوصا اذا ما شخصنا المنهزم بأنه عادة ما يرفض الهزيمة، وهذه هي اساس المشكلة فعندما يعترف بالهزيمة ممكن أن يتكيف مع الهزيمة، ولكن المجتمعات العربية ترفض هذا الاعتراف وتحاول أن تخلق من الهزيمة انتصارا وهميا، لذلك فهو يعيش في عالم وهمي وافتراضي، فعادة الشعوب المنكسرة تحاول أن تبرر فشلها بإيجاد اعذار واهية او تحت عباءة نظرية المؤامرة.

اما على الصعيد الثقافي فلدينا تجربة سيئة وحافلة بالأخطاء بالنسبة لما تقدمه المنظمات من دعم للمثقفين، وهناك امثلة كثيرة تتصدر المشهد العراقي لاسيما وأن هناك العديد من وسائل الاعلام لا تمنح من يعارضها بالفكر اي مبلغ في حين تكيل مبالغ مجزية لمن يتفق معها، بعض المؤسسات تستخدم ذات الفكرة اما أن تكون معي أو انت ضدي، ولهذا فتجربة المنظمات المستقلة فاشلة في العراق لحد هذه اللحظة على اقل تقدير.

وعليه عملية التحرر من التبعية الفكرية تكون عبر المسؤولية المشتركة فاذا عملت المنظمات المستقلة على العناية بقادة الرأي والفكر والعلم على المستوى المادي والمعنوي، يمكن من خلال ذلك تقديم افكار وقيم جديدة على أمل أن تخلق تلك الخطوة جيل مستقل فكريا.

ومن اجل الخروج من نفق الهزيمة لابد التصدي لموجة الاغتراب داخل الوطن وموجة الاحباط، على الجانب الاخر لابد على القائد والمفكر أن يتحول من متأثر إلى مؤثر وصانع لأفكار وقيم جديدة تقوم على الاستقلالية المسؤولة، وعلى المنظمات المستقلة تقع مسؤولية في تغيير الصورة النمطية وجعلها ايجابية، من اجل أن تحيي الاصالة والقيم الاسلامية والاجتماعية على نحو واحد.

لا يكفي للمهتم بشؤون المجتمع أن يقول إنّ أمراً ما هو خاطئ، بل عليه تقديم البديل الصحيح أيضاً، ما يُراد الآن هو وضع اللبنات الفكرية العملية لاقتلاع الشعور بالدونية والتبعية والانهزامية، خصوصا من رؤوس الشباب، فهؤلاء ربما لم يطلعوا بما يكفي على الجذور العظيمة لثقافتهم، وعلى القواعد الفكرية الإنسانية التي أدامت مشاعل الفكر الخلاق على المستوى العالمي وليس الإسلامي أو العربي فحسب، وعندما يثق الشباب بثقافتهم عبر التوضيح والإفهام والاقتناع التام، فإن الحال سوف يكون مختلفا تماما، وسوف نقطف ثمار هذه الأعمال بصورة قوية فعالة، وسيكون شبابنا في مأمن تام ضد التبعية الفكرية، حينما يتم توضيح الملابسات كما ينبغي لهم.

 

 

 

اضف تعليق