القائد الذي يقود الدولة اليوم، هو ابن المجتمع، وهو الطفل الصغير الذي تربى في المحيط الاجتماعي والبيئة الاجتماعية لهذا المجتمع، ولذا فإن من يقول بأن قادة الدول هم من صناعة مجتمعاتهم، فهو محق في كلامه هذا، ولم يخطئ قيد أنملة، ومن هذا الرأي نستنتج بأن المجتمع الصالح الجيد الواعي يُنتج قادة من هذا النوع...
القائد الذي يقود الدولة اليوم، هو ابن المجتمع، وهو الطفل الصغير الذي تربى في المحيط الاجتماعي والبيئة الاجتماعية لهذا المجتمع، ولذا فإن من يقول بأن قادة الدول هم من صناعة مجتمعاتهم، فهو محق في كلامه هذا، ولم يخطئ قيد أنملة، ومن هذا الرأي نستنتج بأن المجتمع الصالح الجيد الواعي يُنتج قادة من هذا النوع، يمتلكون القدرة على إدارة الدولة والمجتمع وفق سياسات متقدمة.
وفي حال كانت مواصفات القائد أو الرئيس وحتى المسؤول من درجات أدني، مسيئا في إدارته ومنصبه، فإنه أيضا نتاج مجتمع غير جيد، وبيئة مجتمعية بائسة، وإلا لما خرج لهم بالسوء في الإدارة، ومنها إهماله عن قصد أو بدونه للفرص العظيمة التي تُتاح له لكي يقلب الأمور السيئة إلى جيدة في الدولة والمجتمع، فهذا القائد بالنتيجة ابن محيطه وتربيته، فيظهر كما تربى، ويقود كما تعلّم.
إتلاف الفرص مرض اجتماعي
لذا فإن قضية أو حالة الفرص المهدورة يعاني منها الأفراد والجماعات، والمجتمعات والدول أيضا، فهناك أشخاص لا تعنيهم الفرص من بعيد أو من قريب، ومنهم يتركها تتسرب من بين يديه حتى حين تصبح أمام عينيه وطوع بنانه، ويرفضها حتى لو جاءت إليه من دون بحث أو تقصٍّ أو تعب، ومثل هؤلاء الأفراد المضيّعين للفرص توجد دول تغلق أبوابها أمام فرص التطور والتقدم، ومن هذه الدول التي لا تعبأ بالفرص بلدنا العراق، والمسؤولية في هذا الخلل الخطير تقع على ساسته.
فما يتوافر اليوم بين يديّ العراق من فرص من حيث الحجم والنوع والإمكانيات، لم تتوافر له على مر الأزمان، وأقوى هذه الفرص المتاحة للعراقيين هي الاقتصادية والمالية، فلم يسبق لهذا البلد الذي عانى سابقا من الفقر أن غصّت خزينته بمثل هذه المليارات من الدولارات التي تتدفق عليه شهريا وسنويا.
ففي تصريحات رسمية من وزارة النفط (في إطار الشفافية) تعلن هذه الوزارة شهريا حجم المقبوضات المالية في مقابل ما يصدّره العراق من نفط خام شهريا، ويتراوح المبلغ شهريا ما بين 8 إلى 9 مليارات من الدولارات الأمريكية كحد أدنى، وهذه أموال قلما تتوفر لدول قريبة في مستواها من مستوى العراق.
بل لا تتوفر مثل هذه الموارد لدول كبيرة وغالبا ما تكون إمكاناتها الاقتصادية أكبر من قدرات العراق بكثير، أما لو تحدثنا عن الدول المجاورة ودول المنطقة (في الشرق الأوسط)، فإن ميزانية بعض هذه الدول لا تتجاوز واردات شهر واحد فقط من موارد العراق النفطية مثل الأردن أو سوريا على سبيل المثال حيث تبلغ ميزانيتها السنوية من 7 إلى 8 مليارات من الدولارات الأمريكية.
النفط ثروة ناضبة
وهذا يؤكد بأن الحكومات العراقية، لاسيما بعد الحكم الملكي، وحكومات الانقلابات العسكرية، ثم حكومات ما بعد 2003، قد أهدرت ثروات هائلة، وأضاعت فرصا كبيرة للتطور والتقدم، ومع ذلك لا يزال الأمل قائما بالحكومة الحالية وبالقادمين من القادة السياسيين الذين يأمل منهم العراقيون خيرا.
فالمطلوب هو أن يتوقف القادة السياسيون وصناع القرار عن هدر الفرص المتاحة، وأن يعوا ويعرفوا بأن كرم الأرض ومواردها لا يستمر إلى الأبد، بل قد تنضب ثروة النفط في غضون عقود أو ربما عقد واحد، بالإضافة إلى المحاولات العالمية الجادة للتخلي عن النفط الاحفوري والاعتماد على الطاقة البديلة أو النظيفة، عندها أين يذهب العراقيون ومن أين تأتي لهم الموارد إذا كسدت تجارة النفط أو نضبت هذه الثروة من باطن الأرض.
المطلوب منذ هذه اللحظة تأسيس صندوق سيادي للأجيال القادمة، وهو حق طبعي لها، كذلك لابد من اعتماد سياسة تنموية رصينة متصاعدة في نتائجها الملموسة، وتقوم على الخبرات الرصينة الوطنية والصديقة، من دول العالم كافة، فبناء العراق اقتصاديا يجب أن يكون أولوية لجميع الحكومات بدءا من هذه الحكومة حتى يكون التطور الاقتصادي منهاجا لجميع الحكومات، ولابد من إيقاف سياسة الفرص المهدورة اقتصاديا.
وليس الأمر بالمستحيل، بل هو في متناول اليد، بمجرد توافر الإرادة الوطنية الحقيقية، بل هو مطلب إنساني، أن تحسب حساب الغد، سواء للأجيال القادمة، أو للأجيال الحالية أيضا، والمهم هو اعتماد سياسة اقتصادية علمية جديدة، تأخذ في نظر الاعتبار استثمار الثروات بأقصى ما يمكن، والكف بشكل تام عن اللامبالاة أو العبثية في التعامل مع الموارد المتاحة.
اضف تعليق