إن نجاح الكلمة الشجاعة في ذاتها النابعة من الفطرة الانسانية النقيّة، فهي لا تدعو إلا الى الحب، والجمال، والخير طوال حياة الانسان، إنما يحتاج الأمر الى إرادة وعزيمة مع ثقة عالية بالنفس، و ايضاً ثقة بما لدينا من رصيد حضاري وثقافي عظيمين، ولا أجانب الحقيقة...
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} سورة المائدة- الآية:54
ابناء الجيل الماضي كانت شجاعتهم الكلامية أمام الديكتاتورية والنظام البوليسي الدموي، فكانوا يضحون بانفسهم ويخاطرون بحياتهم لإطلاق الكلمة الشجاعة علّها تسقط حجارة من صنم الديكتاتورية، أما شجاعة الكلمة فهي في طريق الإصلاح ثم البناء على الصُعد كافة في مرحلة ما بعد الديكتاتورية، فنحن في العراق، وربما في بعض البلاد العربية طوينا صفحة الانظمة الفردية والحزبية لنعيش مرحلة جديدة نجرب بها نظام حكمٍ يفترض أنه يضمن حرية الرأي ويحترم عقيدة وتاريخ المجتمع، مما يسهل المهمة لإعادة قيم دينية سامية الى حياة المجتمع العراقي مثل؛ الكرامة للمرأة، والمسؤولية للرجل، ومن ثم ترميم ما لحق بكيان الأسرة من تصدعات انعكست سلباً، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل والسياسي والاقتصادي وحتى الأمني ايضاً بسبب القلق، ومشاعر الضِعة، والخوف من كل شيء.
أما اليوم، فبفضل الانفتاح اللامحدود على العالم، و فرض علاقات ثقافية غير متكافئة من حيث الامكانات العلمية والتقنية مع العالم، ومع المنظومة الغربية تحديداً، فان بلداً مثل العراق بات يستشعر خطراً داهماً من التأثيرات الخارجية على منظومته الثقافية والأخلاقية في ظل نظام سياسي جديد (الديمقراطية) يُتيح للجميع التواجد في الساحة، فالمؤسسات الثقافية والتجارية تعضدها المؤسسات الاعلامية، مستندين جميعاً على تقنية الاتصالات المتطورة باستمرار، لا تبرح تنتج محتويات جاذبة وتصدرها الى البيوت والغرف الصغيرة، ومن ثمّ النزول الى الشارع للتطبيق العملي والظهور بأنماط خاصة بالملابس، وطريقة جديدة للتكلم واختيار المفردات، وتناول الطعام، و نمط تفكير يصفها البعض "خارج الصندوق"، او خارج الأطر والضوابط، في وقت يشعر المجتمع بعجزه عن المنافسة بما لديه من مناهج واساليب تعود لعقود طويلة من الزمن، ولا يكون بوسعه سوى التفرّج على ابنائه من البنين والبنات وهم ينزلقون بسرعة مذهلة نحو تبني افكار وأنماط عيش مختلفة تبعاً لأذواقهم ورغباتهم.
هذا المآل ربما يبرره البعض على أنه نوع من إطلاق حرية الاختيار للابناء بأن يكونوا كما يريدون بعيداً عما يقيدهم من عادات وتقاليد تعود للأجيال الماضية، تحت شعار "حقوق الانسان"، بيد أن حساب العقل يقول: إن ثمة مشكلة يشهدها الواقع الاجتماعي لا يمكن انكارها وهي؛ نشوء أسباب لصراعات بين الآباء والابناء على كل صغيرة وكبيرة في الحياة، بقطع النظر عمن يكن محقاً او يكون مخطئاً، إنما المحصلة النهائية؛ تعرض الطالب الشاب في الاعدادية او الجامعة –و ربما حتى الابتدائية في قادم الايام- الى انتكاسات وتناقضات بسبب الاصطدام بين رغباته وأذواقه المستحدثة، والمنهج التربوي المعهود في الأسرة، و ايضاً تعرض فكرة الزواج لخطر التشكيك بالجدوائية، او ربما الانحراف عن طريقها المرسوم وفق منطق العقل، عندما تصطدم إرادة الابناء وتفكيرهم الآحادي مع منهج الابوين الداعي الى الحالة الاجتماعية، وأن يبدأ الزواج أسرياً ليأخذ طابعه الاجتماعي فيما بعد.
وثمة الكثير، الكثير من المآلات والنتائج الخطيرة في الوسط الاجتماعي ليس أقلها؛ فكرة الاستقلال التام للابناء عن الآباء وعدم الشعور بالحاجة للإصغاء لهم، او الالتزام بما يقولوه او يطلبونه، حتى وإن كان في مصلحتهم بشكل واضح وملموس، فنرى البعض يرغب بأن يكون هو من يكتشف المفيد له، لا أن يأخذه من أحد بعنوان النصيحة او حتى الهدية!
هنا السؤال: في ظل هكذا أجواء مشحونة بالتوتر والقلق، هل نتوقع فرصة للابداع والتطور العلمي، او حتى لحظة تأمّل لاتخاذ القرارات الصحيحة في حياتنا؟
هنا تكون الحاجة لموقف محدد و واضح إزاء ما يجري، وإطلاق الكلمة الشجاعة أمام كم هائل من العجز والاحباط والفشل من خلق مجتمع اسلامي بما تعنيه الكلمة، ولاسباب مختلفة، و احياناً نلاحظ حاجة الشجاعة أمام ضغوط نفسية مصدرها خارجي في بلد مثل العراق، يتصور الكثير إن الفضل في حياة الحرية والانفتاح والرخاء في الوقت الحاضر يعود الى العامل الخارجي فقط، فلا مجال للحديث عن تاريخ وتراث وأمجاد، إنما تاريخ العراق ينبغي ان يكتب من تاريخ 10-3-2003، وليس من أول حكومة ديمقراطية في العالم أقامها أمير المؤمنين، عليه السلام، في العراق في القرن السابع الميلادي، أي قبل حوالي ألف وأربعمائة سنة؟
إن نجاح الكلمة الشجاعة في ذاتها النابعة من الفطرة الانسانية النقيّة، فهي لا تدعو إلا الى الحب، والجمال، والخير طوال حياة الانسان، إنما يحتاج الأمر الى إرادة وعزيمة مع ثقة عالية بالنفس، و ايضاً ثقة بما لدينا من رصيد حضاري وثقافي عظيمين، ولا أجانب الحقيقة، إن الشباب قبل غيرهم من شرائح المجتمع أسرع للتفاعل والاستجابة لنداء الفطرة ونصرة كلمة الحق والفضيلة عندما يروا فيها سعادتهم وكرامتهم الحقيقية.
اضف تعليق