تجول المسؤول في مدينته دون حماية، واحدة من الأشياء التي تقربه من قلوب الناس وتعيد أواصر العلاقة والثقة، فمن يستطيع ان يكون على هذه الشاكلة فاز بحب الجماهير التي تتولى حمايته حين الضرورة، ومن يفضل الشق الآخر من الحياة البرجوازية لا يمكن ان يعيش بحالة امان نفسي...
هالة سوداء تحيط المسؤول في الحكومة العراقية خلال زيارته الى مكان ما، سواء كان مكلفا بعمل رسمي او يمارس حياته الاعتيادية في الذهاب الى المناسبات الاجتماعية وغيرها من المشاوير المتعددة، الهالة السوداء هي اعداد الحمايات التي تساور الشخصية السياسية بصرف النظر عن خطورة المنطقة الذاهب اليها.
وربما سائل يسأل، هل هنالك ضرورة في العراق بأن تكون اعداد الحميات على ما هو عليه في الوقت الحاضر؟
من وجهة نظر شعبية ليس هنالك من دواعي لتكون الحماية بهذا العدد الذي يتجاوز الحد المعقول بالنسبة لعضو البرلمان، أما كبار الموظفين ففرقة الحماية المخصصة لمن هو بمنصب مدير عام مكونة من ثمانية عناصر، والمفتش العام من عشرة عناصر، ووكيل الوزارة من عشرين عنصرا، والوزير من ثلاثين عنصرا، وهكذا.
الأوضاع الأمنية تمر بحالة مستقرة في السنوات الأخيرة وبالإمكان ان يتجول المسؤولين بصورة عامة دون أي مرافق، فالإرهاب انخفضت نشاطاته الاجرامية واختفت في بعض الأحيان، والقوات الأمنية لديها سيطرة شبه كاملة على الطرقات وتحركات المواطنين.
وقد ولى زمن تصفية الحسابات عبر الأجساد، حيث انتقلت العمليات التوافقية الى صورة التفاهمات المباشرة، وصولا الى حلول مرضية للجميع بلغة يسودها الهدوء التام والسرية المطلقة، فكثيرا ما تعقد الصفقات في الغرف المظلمة بعيدا عن الرأي العام وصغار المسؤولين الذين يعدون اتماما للنصاب لا غير.
كل ذلك يفند الادعاءات القائلة ان الوضع الأمني لا يزال هشا، ولا نريد مزيدا من الخسائر بين صفوف النخبة الحاكمة او المسؤولة عن إدارة مؤسسات الدولة، وعليه يتحتم توفير هذا القدر من الحماية لتجنب الاعمال الخارجة عن القانون المتمثلة بالتصفيات الجسدية او حدوث خروقات امنية لا يحمد عقباها.
إذا كانت القضية هكذا، إذا لماذا لا يزال اعداد الحمايات مرعب من الناحية العددية؟، ولكل مسؤول بسيط كان ام لا، موكب خاص يميزه عن العامة، فللمسألة ابعاد أخرى او تفسيرات يمكن ان تقترب من الواقعية.
البعد الأول الذي يجعل المسؤول يعيش بهذا النمط من الحياة هو ان جزء من الاتكيت السياسي يحتم عليه ان يسير وسط مجموعة من الأشخاص المدججين بالأسلحة، حاملي أجهزة المناداة وعيونهم حذرة خشية على حياة المسؤول، الذي يتمتع بمكانة خاصة تميزه عن غيره من الشرائح الاجتماعية.
اما البعد الثاني فهو فرض هيبة الدولة في الشارع، من خلال إطلاق صفارات الإنذار وقطع الطرق اثناء مرور موكب المسؤول، وكأنه مواطن من الدرجة الأولى ويجب على الجميع احترام او الإقرار بهذه الخصوصية، ومن يتمتع بهذا الشأن الكبير لابد ان يكون مسيره وتفاصيل حياته بنفس المستوى من الاختلاف.
من الآثار السلبية لهذه الابعاد آنفة الذكر هي عزل المسؤول عن الطبقات الاجتماعية الأخرى والعيش في حلقة منغلقة على نفسها، فمن غير المنطقي أن يحمي المسؤول نفسه بعدد كبير من الحماية ويترك أرواح المواطنين بلا حماية، خاصة أن أعضاء مجلس النواب وغيرهم يفترض بهم أن يكونوا بين الناس وليس بين أفراد حمايتهم.
في القانون العراقي يخصص لكل مسؤول يتقاعد عن الوظيفة او تنتهي دورته البرلمانية عدد من افراد الحماية، ومن المؤكد ان تتسبب هذه الأرقام الكبيرة بإرباك الميزانية العامة للدولة في الوقت الذي يشهد اعداد المسؤولين زيادة عديدة غير مسبوقة بما يشكل ثقلا اقتصاديا مزمنا.
الاستمرار بهذا النهج يعد من الأخطاء الحكومية المتواصلة التي تسعى جاهدة لتقليل الانفاق الحكومي تخفيفا لحالة النقم الشعبي من النثريات والمصروفات غير المنطقية التي تتكبدها الميزانية العامة في كل عام، وإذا كان المسؤول العسكري او السياسي من الضروري توفير حماية لمنزله وبقية افراد اسرته.
فالمدرس والأستاذ الجامعي وغيرهم من شرائح المجتمع بحاجة ايضا الى تأمين حياتهم، فأغلبهم قدم خدماته للبلد لاكثر من ثلاثين عام، ويعد توفير الحماية اللازمة من واجبات الدولة تجاههم.
تجول المسؤول في مدينته دون حماية، واحدة من الأشياء التي تقربه من قلوب الناس وتعيد أواصر العلاقة والثقة، فمن يستطيع ان يكون على هذه الشاكلة فاز بحب الجماهير التي تتولى حمايته حين الضرورة، ومن يفضل الشق الآخر من الحياة البرجوازية لا يمكن ان يعيش بحالة امان نفسي طالما لديه شعور بالنقص يحاول جاهدا لملئه.
اضف تعليق