عدم التعرض لمفاجئات أو أعمال لم تكن في الحسبان تصدر من أي من السلطات في الدولة، مما يخلق حالة من الاطمئنان لدى الفرد أو المواطن ناتجة عن ثبات واستقرار المعاملات وشؤون الحياة اليومية. المواطن يستطيع ترتيب إجراءاته القانونية فيما يخص علاقاته مع الأفراد العامين والخاصين أي مع غيره...
كيف يمكن التأسيس لفكرة التوقع المشروع في سلوك السياسيين العراقيين ممن يترشحون إلى المناصب التمثيلية أو التنفيذية المؤثرة، وما الضمانات اللازمة لذلك؟
وكيف سينعكس قرار المحكمة الاتحادية العليا على تكريس مبدأ سيادة القانون وصيانة الإرادة العامة والنظام الديمقراطي في العراق؟
تنبع فكرة التوقع المشروع من مبدأ أعم وأشمل وهو مبدأ الأمن القانوني الذي يعني فيما يعني استقرار المراكز القانونية ووجود ثبات نسبي للعلاقات القائمة بين هذه المراكز، والتوقع المشروع وإن لم يكن له تعريف محدد جامع ومانع حاله حال كثير من المفاهيم الإنسانية إلا أنه يعني فيما يعنيه عدم التعرض لمفاجئات أو أعمال لم تكن في الحسبان تصدر من أي من السلطات في الدولة، مما يخلق حالة من الاطمئنان لدى الفرد أو المواطن ناتجة عن ثبات واستقرار المعاملات وشؤون الحياة اليومية.
وبتعبير آخر أن المواطن يستطيع ترتيب إجراءاته القانونية فيما يخص علاقاته مع الأفراد العامين والخاصين أي مع غيره من الأفراد أو مع سلطات الدولة وفق إجراءات قانونية قائمة. بعد هذا الملخص لموضوع التوقع المشروع نعود لما صدر عن المحكمة الاتحادية بشأن إلغاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في القضية المرفوعة ضده ونشير إلى التالي:
1- إن الدعوى في أروقة المحكمة الاتحادية منذ أحد عشر شهراً وهي مدة كافية لتوقع الحكم ولا يخرج الحكم من احد أمرين في كل المحاكم في العالم ومنها المحكمة الاتحادية في العراق وهو الإدانة أو البراءة مما وجه له.
2- نعم قد يكون هناك شكوك في أن نتائج الإدانة لا تصل إلى مستوى إنهاء العضوية عندما يتعلق الأمر برئيس السلطة التشريعية ولديه أكثر من أربعين نائباً في البرلمان وركيزة أساسية في تشكيل تحالف الدولة الذي انبثقت منه الحكومة الحالية، ولكن تلك الشكوك ليست صادرة من مختص بشؤون القضاء وانما من مختص بشؤون السياسة والفرق بينهما واضحاً.
3- إن العلة الأساسية في غياب التوقع المشروع ناتج من عجز البشر عن عزل ميولهم وأهوائهم السياسية والاجتماعية عن عقولهم بشكل مطلق، وبالتالي عدم حياديتهم المطلقة في إصدار قراراتهم القضائية عندما يوضعون في موقع القضاء، ولهذا يحرص فقهاء القانون الدستوري على وضع الكثير من الامتيازات لسلطة المحاكم العليا حفاظاً عليها من التأثر بالضغوط والميول السياسية للكتل والشخصيات الحاكمة ولكي تكون المحكمة مستقلة في قراراتها ولا تأتي بأحكام مفاجئة للمشمولين بأحكامها.
4- ليس في العراق فقط تشكل قرارات المحاكم العليا جدلاً واسعاً في الأوساط الجماهيرية وبين الكتل السياسية، والطعن بأن قرارات هذه المحاكم تخالف مبدأ الأمن القانوني والتوقع المشروع ليس لأنها كذلك وانما لتعلق أحكامها بشخصيات عامة وذات سلطات واسعة، فقد حصل ذلك في المحكمة العليا في الباكستان برئاسة القاضي عزيز افتخار شودري عندما أصدرت المحكمة قرارات بشأن المختطفين أحرجت فيها رئيس الوزراء برويز مشرف مما اضطرّ الأخير إلى عزل شودري اعقبها ظهور احتجاجات واعتصامات لآلاف المحامين مما اضطرّه لإعادته.
وفي مصر أصدرت المحكمة العليا أيضاً قرارات غير متوقعة ابان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي قضت فيها بعدم شرعية الانتخابات بعد اجرائها ومرور عام تقريباً على اجرائها مما شكل هزةً قوية للنظام السياسي، وفي الكيان الصهيوني شكلت قرارات المحكمة العليا ضغطاً كبيراً على حزب الليكود الحاكم مما دعاه إلى السعي للحد من سلطات القضاء فخرجت تظاهرات شقت صفوف المجتمع اليهودي في الكيان لازالت آثارها قائمة حتى الآن.
أقول أن العلة في بعض الأحيان ليس بذات القرار وفيما إذا كان يخالف مبدأ التوقع المشروع أم لا وانما في مكانة من يخصه القرار ومركزه القانوني والسلطات التي يمتلكها وفي كل الأحوال فإننا كمواطنين مدعوون لأن نحافظ على احترام قرارات القضاء وسلوك الطرق القانونية في الطعن فيها، وإن كانت مخالفة لهوانا أو لمبدأ العدالة تجسيداً لمبدأ سيادة القانون من جهة وإيماناً بأن القاضي إن أصاب فله أجران، وان أخطأ فله أجر، وفي دولة دستورية تقوم أحكامها على الشرعية والمشروعية ليس لنا من سبيل آخر.
اضف تعليق