كلمتان تعطيان المعنى نفسه إن تقدمت احداهما على الأخرى، (القادم صادم) هكذا يُعلق بعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أي تغيير في مناصب الدرجات الخاصة، ومع ان العبارة قابلة لتأويلات شتى، لكن المُراد بها التنكيل بالمتشبثين بمناصبهم، واشاعة روح الأمل لدى منافسيهم وخصومهم، وبصرف النظر ان كانت مثل هذه التعليقات مقبولة او غير مقبولة...
كلمتان تعطيان المعنى نفسه إن تقدمت احداهما على الأخرى، (القادم صادم) هكذا يُعلق بعضهم في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أي تغيير في مناصب الدرجات الخاصة، ومع ان العبارة قابلة لتأويلات شتى، لكن المُراد بها التنكيل بالمتشبثين بمناصبهم، واشاعة روح الأمل لدى منافسيهم وخصومهم، وبصرف النظر ان كانت مثل هذه التعليقات مقبولة او غير مقبولة، لكن هذا هو الفضاء الرقمي المفتوح، وعلى الجميع تقبله بغثه وسمينه، فقد اتاح حرية واسعة لمستخدميه قول ما يشاؤون، فيمدحون من يحبون ويذمون من يكرهون، فضاء يغلب فيه الذاتي على ما هو موضوعي.
ليس بالضرورة أن تكون جهات هذه المواقع قريبة من مصدر القرار، وعارفة بمنْ سيبقى ومَنْ سيغادر، لكنها تجهد بالإيحاء على انها كذلك، لدرجة عدّها بعض أصحاب المناصب مصدرا اخباريا موثوقا، فيتسلل القلق الى نفوسهم، وترتبك مسيرة عملهم، متناسين حقيقة ان التغيير حاصل لا محالة ان لم يكن اليوم فغدا، وجاء في موروثنا الكلامي (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فلا شيء يدوم، ولابد من نهاية، فالتغيير كالموت حقيقة مطلقة غير قابلة للتشكيك.
للمنصب في بلادنا حلاوة ما بعدها حلاوة، فهو السلطة والجاه والمال، ولأنه كذلك فلا تظن أحدا من جماعتنا يغادره مسرورا، ويعلل النفس بالتحرر من المسؤولية ومتاعبها، وما يترتب عليها من ذنوب التقصير في خدمة الناس والوطن، والمغامرة بالتاريخ الشخصي في حال فشل تحقيق الأهداف، مع ان بعض الفشل ليس نابعا من قلة الخبرة او نقص المهارات او ضآلة الثقافة فحسب، بل لأن هناك من يريد لك أن تفشل، فيصير عملك كالمشي في حقل للألغام.
أصحاب المناصب لدينا ثلاثة أصناف، أحدهما لا يبغي سوى مكاسبها الثلاث المذكورة وهو الغالب، والآخر نزيه، لكن الحذر من تفجر لغم يشغله عن التفكير بالتطوير، وثالث شجاع تشّبع بحب الوطن، ولا هم عنده سوى الاسهام في نهوض البلاد مهما كان الثمن، لكنه كقطرة عذبة في بحر مالح، ولذلك عم الخراب، وغدت الصورة غائمة، واشتبك الحابل بالنابل، ما أفقد الاصلاح محتواه، ولم يبق منه سوى الكلمة وما تحمله من ارث عظيم.
ولا غرابة أن يقدم الجُدد على المناصب فرحين بوجوه مستبشرة، يعتلون الكراسي بتفاؤل وحيوية، وبأحلى ما لديهم من ثياب، لكن اللافت نسيانهم ليوم المغادرة القادم لامحالة، او من يسمعهم لاحقا ان (القادم صادم)، ومصداق ذلك عدم وجود من اعتذر عن التكليف بدواعي الخشية من يوم الحساب الالهي الذي لا معيار فيه سوى صالح الأعمال، او الخوف من لعنة الناس فيما لو كان امتدادا لفشل من سبقوه، او عدم امتلاكه المؤهلات الكافية، او عدم توافر عوامل النجاح، الجميع يقبل بالتكليف، المؤهل وغير المؤهل، الذي مضت عليه عقود في الوظيفة، والذي للتو باشر فيها، أما ماذا سيتحقق، وهل سيُضيف شيئا نوعيا للمؤسسة ؟، فذلك ليس في وارد التفكير.
أتمنى أن تعقد مؤسساتنا مؤتمرات دورية تُناقش فيها الأداء بالأرقام، وفي ضوء ذلك يكون التغيير وتجديد التكليف، وتُرفض فيها الأعذار المتعلقة بالإمكانيات والتخصيصات والعقبات، فعلى المكلف أن يُخضع كل ذلك للدراسة قبل قبوله بالتكليف، وطالما ليس هناك ثواب وعقاب حقيقي، فلا أحلى من المنصب، انظروا في تقييمات الأداء، غالبية درجاتها عالية، ويندر الضئيل فيها، فاذا كان الأداء ممتازا، فلماذا تأخرنا عن اللحاق بالآخرين؟
الاصلاح ليس شعارات او تأملات شخصية، انما هي آليات محددة تفترض تطبيقات صارمة، وتبديل الشخوص أحد عناصرها، اما الاقتصار على الشخوص، فهذا يشبه الحفر في البحر، وخلاصة القول: إن لم يكن الاصلاح هدفا (فالقادم صادم).
اضف تعليق