كتبت أكثر من مرة أن الهجرة المفاجئة للشباب العربي ولاسيما من العراق وسوريا؛ وبهذا الشكل غير المسبوق، ومن ثم اهتمام الأوربيين الكبير بالوافدين؛ وبشكل غير مسبوق أيضا، لا يمكن أن يكون عفويا تلقائيا، ولابد وأن هناك مشروعا ضخما يقف خلف هذه الظاهرة المحيرة. وبينت في تلك الكتابات أن أوربا هي الرابح الأكبر وعالمنا العربي ولاسيما العراق وسوريا هم الخاسر الأكبر.!
وقد انبرى بعض المتفلسفين وأنصاف المتعلمين والمغرضين للاعتراض على أطروحتي، مدعين أن الوضع السيئ والخطير للعراق وسوريا، وتفشي الفساد فيهما، وارتفاع نسبة البطالة، والمخاطر اليومية المحتملة؛ هو الذي أجبر الشباب على الرحيل، وأن أوربا استقبلتهم لأنها أكثر إنسانية منا نحن المسلمين والعرب.
واليوم وأنا أقلب بعض دفاتري القديمة بحثا عن موضوع خاص، عثرت على معلومة التي تفيد أن الاتحاد الأوربي كان قد لمس وشخص مخاطر انخفاض النمو السكاني؛ الذي يتهدد وجود ومركز ومنزلة الاتحاد، وأنه حذر الأعضاء من مغبة هذا الأمر ونبههم إلى ضرورة الاهتمام به وإيجاد الحلول المناسبة له.
هذه المعلومات أوردها "جميل مطر" يوم 25 شباط 2010 تحت عنوان (نساء هناك ونساء هنا)، ونشر موضوعه في عدة مواقع، متحدثا عن محاولة دول عديدة في أوروبا إنقاذ نفسها من الذبول، وربما الزوال، بسبب استمرار انخفاض عدد المواليد وعزوف النساء عن الإنجاب.
وتحدث عن تحذير أصدره البرلمان الأوروبي في عام 1984 للدول الأعضاء يحذرها من مخاطر التلاشي، إذا استمر انخفاض النمو السكاني فيها بهذا الشكل الخطير.
وقد جاء في التحذير: "إن نسبة نصيب أوروبا من سكان العالم قد تصل إلى نصف ما هي عليه في مطلع القرن الحادي والعشرين مقارنة بمنتصف القرن العشرين" وهو ما يعنى حسب تحذير البرلمان أن مكانة أوروبا ستتقلص كثيرا وقد تصل إلى مرحلة الخطر في العقود القادمة.
وضرب بيان التحذير المثل بإيطاليا وأسبانيا، مشيرا إلى أن إيطاليا إذا استمر معدل الخصوبة فيها على ما هو عليه من التدني، فسوف تفقد 86٪ من سكانها الإيطاليين قبل نهاية القرن الحادي والعشرين. وأنها في الأقل ستفقد 14٪ من سكانها الأصليين قبل نهاية القرن الحادي والعشرين. ومشيرا إلى أن إسبانيا التي تعاني من المشكلة نفسها، سوف لن يبقى على أراضيها من السكان الأسبان سوى 83٪، لأنها في الأقل ستفقد 17٪ من سكانها الأصليين قبل نهاية القرن.
كما أشار إلى أن باقي دول الاتحاد ليست بعيدة عن هذا الخطر؛ الذي سببه تدهور نسبة الخصوبة؛ الذي سيؤدى بدوره إلى عجز شديد في عدد الفتيات، وهذا سيؤدى بدوره إلى حدوث نقص شديد في الطاقة الإنجابية، التي تعني تدهور التقدم وانخفاض إمكانية الدفاع، فضلا عن انخفاض العائدات الضريبية وتدني القوة الإنتاجية، لأن مدنا كثيرة وربما دولا كاملة لن تجد من يسكنها، ويفلح ويزرع أرضها، ويديم بنيتها التحتية.
وبعد ايراد على هذه المعلومات الخطيرة، أجد من حقنا أن نسأل:
ما يعني تشجيع الشباب العربي على الهجرة إلى أوربا، واستقبالهم بالترحاب، وتيسير دخولهم إلى دول لا زالت إلى الآن، تمنع دخولهم رسميا إليها، وترفض إعطاء تأشيرة دخول رسمية لمن يرغب بزيارتها بشكل رسمي، ولاسيما من العراقيين والسوريين؟
ما يعني عجز الاتحاد الأوربي بقواته وأقماره الصناعية ومنظوماته الاستخبارية وقدراته العلمية عن إيقاف هذه الهجرة عند حدها لو لم يكونوا من المباركين والمشجعين والمخططين، وربما الممولين لها؟
ولا يفوتني أن أذكر أني حينما أورد وأشير إلى هذه المعلومات الخطيرة، لا أبريء الحكومات العربية من التقصير الكبير، فحكامنا: بين عميل متعاون مع الأوربيين، يعمل بأمرهم، ويطيع مشورتهم، وفاسد مقصر، ومتعمد تخريب، وجاهل لا يدري ما يدور من حوله، وبالتالي، كلهم يتحملون وزر ما سيصيب بلداننا من جراء هذه الهجرة التي تسرق طاقاتنا، وتفيد منها الدول الأوربية في ديمومة مسيرتها في الوقت الذي يعرضنا ذلك إلى مخاطر الذبول والفناء والزوال.!
إن الحكومات والمؤسسات الرسمية وجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، والأكاديميين والجامعات، ومراكز البحوث، والمؤسسات الدينية، والمثقفين والإعلاميين، والسياسيين وكل الوطنيين مدعوون إلى دراسة هذه الظاهرة بعمق وعلمية ووضع الحلول الناجعة لها قبل أن تستشري بين شبابنا، فيستشري فينا الخراب.!
اضف تعليق