إن حصل سابقا أي دور إيجابي في سبيل السلام أو حلّ الأزمات والنزاعات الدولية فإنما جاء بسبب التنافس القائم بين تلك القوى الكبرى، وذلك ليس حبا للسلام أو كرها للحرب وإنما لفرض السيطرة وإثبات الوجود من قبل إحدى تلك القوى على الأخرى، ولولا هذا التنافس أو التدافع لهدمت...
هل أدت منظمة الامم المتحدة والأجهزة التابعة لها الأدوار التي أنشأت من أجلها أم اخفقت، ولماذا؟
ما البديل الناجع للتعويل عليه بحل الازمات والنزاعات الدولية بشكل محايد؟
لو أردنا أن نكون واقعيين فإنَّ منظمة الأمم المتحدة بذاتها ليس لها أي شأن أو قرار وإنما الشأن والقرار هو للقوى الكبرى المجتمعة فيها، وعلى هذا المبنى وُضع الحجر الأساس لتأسيس منظمة الأمم المتحدة؛ وهذا الحجر يسمى "حق الفيتو" لها، ولو لا هذا (الحق) لما كان لهذه المنظمة أن توجد من الأساس أو أن تقوم لها أي قائمة.
من هنا فإنّه وإن حصل سابقا أي دور إيجابي في سبيل السلام أو حلّ الأزمات والنزاعات الدولية فإنما جاء بسبب التنافس القائم بين تلك القوى الكبرى، وذلك ليس حبا للسلام أو كرها للحرب وإنما لفرض السيطرة وإثبات الوجود من قبل إحدى تلك القوى على الأخرى، ولولا هذا التنافس أو التدافع لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا!
وعليه فإنَّه لا يتوقع دورا أكثر من هذا من مؤسسة قامت أساسا لحفظ مصالح القوى الكبرى، ولذلك فإن ذاك الدور-أي صنع التوازن في القرارات الدولية يعتبر بالفعل دور إيجابي بناء على قاعدة "بعض الشيء أفضل من اللاشيء"!
لكن حينما اضمحلت إحدى تلك القوى المتمثلة بالاتحاد السوفيتي المنهار واحتكرت الولايات المتحدة الأمريكية القوى تضاءل هذا الدور بشكل ملحوظ، فرغم الفرح والسرور الذي عمَّ العالم نتيجة حذف المعسكر الشرقي في التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنه سرعان ما أدرك الجميع ذلك الفراغ الذي أدى إلى تمركز القوة لدى الغرب نتيجة غياب التعادل النسبي؛ مما أدى إلى المزيد من أعمال العنف في العالم، هذا ناهيك عن غياب سائر القوى المؤثرة آنذاك كحزب المؤتمر الهندي مثلا أو منظمة عدم الانحياز، أو حتى بعض القوى الأوربية المستقلة حينها.
وفي هذا الصدد يحضرني مقولة لياسر عرفات حينما تعرَّض لانتقادات من قبل سائر الفصائل الفلسطينية بسبب تغيره الجذري من مناضل إلى مساوم فأجابهم: كان لنا أخ أكبر يدعمنا في أروقة المنظمات الدولية قد فقدناه الآن!
ويعني به الإتحاد السوفيتي حيث كان اللاعب الرئيسي في ملعب تعادل القوى.
ولا يخفى على أحد أن روسيا الحالية لا تمتلك وزنا مثل السابق في تسعينيات القرن الماضي فلا تحمل أيدولوجيا لتجذب من خلاله حركات التحرر، ولا نفوذا لتتحالف مع أنظمة موالية!، ناهيك عن انها وبسبب أزمتها مع أوكرانيا صارت في عداد الدول التي تحتاج إلى من يشفق عليها!
من هنا وبناء على ما جرى؛ أدى كل ذلك إلى أن يرتفع صوت واحد في الساحة الدولية وتخرس فيه الأصوات الأخرى!
ذلك على الرغم من أن قضية البحث عن العدالة أو منع جميع صور التمييز لا تزال موجودة على مستوى العالمي وبأعلى درجاتها سواء في المجتمعات أو الأنظمة، ومع ذلك وصل الأمر إلى درجة لا يوجد أي ذكر لميثاق الأمم المتحدة الذي كان يعتبر في بداية تأسيسها قفزة حضارية لحل أزمات العالم، بل وأصبح مجلس الأمن اليوم لا يتجرأ حتى أن يصدر قرار المطالبة بوقف إطلاق النار!
وعليه فإنه لا يمكن أن نتوقع من منظمة الأمم المتحدة وسائر الدوائر التابعة لها أن تؤدي حتى ذلك الدور التقليدي القديم أي دور توازن القوى والذي ينتج إلى أن تراقب كل قوة القوة المنافسة لها.
من هنا ومن أجل إعادة هذا الدور -الذي يسمح أحيانا بتنفس الصعداء- لابد من سدّ ذلك الفراغ الحاصل.
مثلا: يمكن للمعتقدات الدينية أن تملأ هذا الفراغ؛ ذلك لأنها الظاهرة الوحيدة التي لاتزال تؤمن بمفردات كالسلم والعدالة والإنسانية وإحقاق الحقوق كما انها لم تتلوث بـ (الثقافات) الدخيلة من خارج الإطار الديني والتي اصطبغت بصبغة دينية إلا أنها بعيدة كل البعد عنها.
فإن تحقق ذلك فإنه سيؤدي إلى نشر بعض الضياء من جديد في هذا الزمن الحالك.
اضف تعليق