ما يعيشه العراق من هدوء نسبي او مرحلي، يبعث برسالة واضحة الى الشعب المتطلع، وهي ان الجمود السياسي مهما طال، لكنه غير قابل للاستمرار، وان العراق قد تجاوز مرحلة الخطر، ولا تزال الفرصة قائمة وغير سوي من يهدرها، فجميع الخيارات متاحة ورحبة رغم السحب الداكنة التي تتجمع في الأفق...
هدوء غير متوقع يعم الساحة السياسية العراقية، التصريحات مطمئنة، واللقاءات إيجابية، بعيدة عن الشد والجذب الذي اعتادت عليه الجماهير في السنوات السابقة، والأسباب ليست خافية على أحد، ويعود ذلك الى الواقع المقنع والنتيجة المرضية بالنسبة للمشتركين في العملية السياسية.
الانتقال الى مرحلة الهدوء السياسي في العراق، جاء كمرحلة ضرورية بعد سنوات من الصراع ارتبطت بصورة مباشرة باللاعبين الأساسيين في العملية السياسية، وتنوع مصالحهم الشخصية وتصفية الحسابات على المستويين المحلي والإقليمي، فكانت النتيجة الحتمية هي الرضا المؤقت.
وفي العودة الى التذكير بأسباب الخلافات السياسية بين الأحزاب، فإنها تعود بنسبة كبيرة منها الى الاختلاف في الأهداف الاستراتيجية، أضف الى ذلك التباين في الايدولوجيات التي تنطلق منها أحزاب السلطة، ولذلك نشبت الكثير من المواجهات بين الشركاء، وصلت الى مراحل متقدمة، تمثلت باندلاع شبه الحرب الاهلية غير المعلنة.
وقد خلفت مثل هذه الأجواء حطاما من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وشكلت فيما بعد تحديات حكومية لا يمكن النهوض بها على المدى القريب، اذ تردت البنى التحتية بما فيها التعليم والصحة والامن، وانتشر الفقر بين الأوساط المجتمعية، وسادت الرشوة والمحسوبية وغيرها من الظواهر السلبية.
بعد موجة التراجعات التي شهدتها البلاد، فضلا عن الانغلاقات السياسية، والنزول الى الشوارع بمظاهرات احتجاجية ذات صبغة سياسية، يزعم منظموها ان لهم الحق في قيادة البلد في المرحلة القادمة، وحين حطت المظاهرات اوزراها، اُختير رئيس للحكومة بعد صراع دام لشهور طوال.
استقرت بعد ذلك الأوضاع وذهبت الحكومة الى قطع الوعود كغيرها من الحكومات السابقة، والانفتاح على الكتل الأخرى. ومثل هذه الأجواء تبعث الحياة للوطن ومؤسساته من جديد، وتؤكد ان البلد قابل للنهوض شريطة ان يكون الشركاء متصالحين فيما بينهم راضين بما فرضته القسمة الوزارية المحاصصاتية لهم.
فالاستقرار يشيع مناخ من التفاؤل، ويزيد من الاعتقاد بإمكانية الدفع بالبلد بتجاه التعافي التدريجي، ولن يكون التحسن التدريجي ما لم توضع خطة وفق مسارات واضحة المعالم، يحكمها الدستور والمصلحة الوطنية بعيدا عن المزايدات والولاءات الخارجية، وهنا يمكن تحقيق النجاح على المستوى الوطني.
السؤال الملح هنا مع اتضاح معالم المشهد السياسي الحالي، هو هل بالإمكان ان يستمر الهدوء الحالي؟، وهل يتوقع استثماره لصالح بناء مؤسسات الدولة التي نخرتها المحسوبية وآكلتها المحاصصة؟
الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج الى انتظار الوضع الراهن ومعرفة فيما لو طرأت متغيرات مستقبلية عليه، لكن ووفق المعطيات الراهنة فأن الصخب السياسي قادم لا محالة، وان الهدوء الحالي هو الهدوء الذي يسبق عاصفة الانتخابات المحلية المقبلة وما ستفرزه من نتائج مغايرة للخريطة السياسية القائمة.
ولا ننسى ان الوضع الحالي فرض فتح صفحة جديدة، صفحة خاضعة الى حد ما للوعي السياسي في التعامل مع الملفات وضرورة التقارب، اذ يعني هذا التقارب بين الكتل إعطاء نفسها هامشا من الحرية والتعاطي مع الحلول المقبولة لجميع الخلافات العالقة، وعدم جعلها حجر يعرقل سير الوفاق الوطني.
ما يعيشه العراق من هدوء نسبي او مرحلي، يبعث برسالة واضحة الى الشعب المتطلع، وهي ان الجمود السياسي مهما طال، لكنه غير قابل للاستمرار، وان العراق قد تجاوز مرحلة الخطر، ولا تزال الفرصة قائمة وغير سوي من يهدرها، فجميع الخيارات متاحة ورحبة رغم السحب الداكنة التي تتجمع في الأفق.
اضف تعليق