نظافة المدن هي المقياس الحقيقي لوعي سكان المدينة او المنطقة، ومرآة للتطور في أي بلد، ولذا لا يوجد بلدية في العالم بإمكانها القيام بواجبها إذا لم تكن هنالك ثقافة شعبية تحارب الفعاليات والممارسات التي تخرب الوجه الحضاري للمدينة، يسبق ذلك إعادة نظر واهتمام غير معهود بعمال النظافة لينعكس على جمالية الطرقات ورونقها...
يجوبون الطرقات ليلا ونهارا بحثا عن النفايات التي يرميها الافراد دون شعور بالمسؤولية، يعرضون أنفسهم الى مخاطر الامراض والاوبئة، يجتهدون في رفع اكداس الاوساخ المتجمعة هنا وهناك، ومع كل ذلك لم يحظو بنظرة احترام لما يؤدوه من عمل وطني وانساني كبير، ويمارسون عملهم على استحياء وخشية من كلام الناس الجارح.
تبذل الدول جهود كبيرة في محاولة منها لإيجاد حلول مستقبلية لمشكلة النفايات الآخذة بالتزايد، ولذا يكون الاستغناء عن عامل النظافة او التقليل من شأنه خطأ فادح، ذلك لأنه من الركائز الأساسية في خلق بيئة نظيفة صحية صالحة لعيش الانسان.
ولابد لهذه الشريحة ان تحظى باهتمام كبير على المستوى الحكومي، فهي مهندسة المدن وصانعة الوجه الجميل لها، لكن في العراق تبدو الصورة مغايرة تماما، فعامل النظافة يعيش بحالة دونية عن غيره من المواطنين، لا يجد العامل بهذا المجال الاحترام المطلوب من المسؤول والمواطن على حد سواء.
عدم احترام المسؤول لعمال النظافة يتمثل بقلة المرتب الشهري الذي يتقاضونه، مقارنة بالوظائف الحكومية الأخرى، فلا يزال الكثير منهم يعملون بصفة اجير يومي او عقد وزاري لا يتجاوز مقدار راتبه الشهري الـ 300 ألف دينار، وسط هذا الغلاء الفاحش والارتفاع المخيف في أسعار السلع والخدمات.
وكأن الحكومة ترغب او تتعمد بإبقاء هذه الشريحة بهذا المستوى من العيش، وفي حقيقية الامر هذا بحد ذاته ظلم لثلة من أبناء المجتمع لا يقلون أهمية عن الشرائح الأخرى، فالطبيب بحاجة الى رؤية الطريق المؤدي الى منزله نظيفا، والمدرس كذلك والمحامي وغيرهم.
وبذلك يكون دور عامل النظافة لا يقل أهمية عن الأدوار الأخرى، وفي المقابل ما يأخذه من راتب شهري لا يساوي نصف تعبه او مكانته بالنسبة للمدينة، بينما نجد الموظفين الآخرين يتقاضون مرتبات عالية ربما تفوق راتبه بأربعة اضعاف او أكثر!
اما الشق الثاني من المعاناة التي تواجه عامل النظافة تتعلق بالأهالي الذي يتغنون بالنظافة واهميتها، لكنهم لا يعيرون لهذه النقطة أي اهتمام، وتجد بالقرب من منازلهم النفايات متكدسة بصورة مُخجلة، بالرغم من وجود حاويات لتجميع النفايات تحملت مسؤولية توزيعها مديريات البلدية في المحافظات.
وفي الطرقات العامة يعتبر رمي النفايات من العادات السيئة لدى العديد من الافراد، ويعود ذلك الى قلة الوعي والثقافة البيئية وما تمثله من عامل قوي من شأنه ان يقف حائل دون رمي النفايات في الأماكن المخصصة لها.
نحن من نخالف التعليمات الخاصة بالنظافة، ونحن من نضع اللوم على الجهات والمؤسسات المناطة اليها مهمة مراقبة نظافة المدن، بينما من الصحيح إيضاح هذا الاهتمام والاحترام الشعبي للنظافة ومن يقوم بها، عبر الالتزام الكامل بعدم رمي القمامة بغير الأماكن المحددة، والتعامل مع العاملين بذوق واشعارهم بأهميتهم وحاجة المدينة إليهم.
دائما ما نسمع بالمقارنة المجحفة فيما بين المدن الاوربية ومدننا، ففي البلدان المتقدمة يعمل عمال النظافة ليلا ونهارا مع تخصيص رواتب توازي هذه الجهود الكبيرة التي يبذلونها في هندسة نظافة المدينة، يساعدهم في تأدية واجباتهم الطرقات النظامية الى جانب الوعي الجماهيري الذي يفترض ان يكون بأعلى درجة.
نظافة المدن هي المقياس الحقيقي لوعي سكان المدينة او المنطقة، ومرآة للتطور في أي بلد، ولذا لا يوجد بلدية في العالم بإمكانها القيام بواجبها إذا لم تكن هنالك ثقافة شعبية تحارب الفعاليات والممارسات التي تخرب الوجه الحضاري للمدينة، يسبق ذلك إعادة نظر واهتمام غير معهود بعمال النظافة لينعكس على جمالية الطرقات ورونقها.
اضف تعليق