التوترات في النيجر والتي قد تتحول الى صراع اقليمي تشغل بال الصين التي تعد أكبر شريك تجاري في القارة السمراء وصاحبة المشاريع التنموية الواسعة والممتدة على مسار الحزام والطريق، فبكين هي المستثمر الاكبر على الاطلاق في البنية التحتية الافريقية. من هنا جاء توجس الصين من خروج الامور عن...
فازت الصين بنصيب الاسد من عقود مشاريع البنية التحتية في قارة افريقيا، وهذا الامر ليس مستغربا في الوقت الذي يكون فيه وزراء خارجية الصين يتسابقون الخطى في زياراتهم نحو بلدان القارة السمراء، ولكن تصاعد الازمات والتوترات فيها وآخرها احداث انقلاب النيجر قد يعيد حسابات بكين في الحذر من تهديد مشاريعها الاقتصادية، بالاضافة الى خطورة تأمين مسار الحزام والطريق.
ولان بكين تتجاوز الشركات الامريكية والاوربية بمشاريع البناء في افريقيا على رغم الاوضاع الامنية المضطربة والازمات الاقتصادية الدولية والتنافس المحتدم على القوى الكبرى، نتساءل: كيف ستحافظ الصين على مصالحها الاقتصادية في افريقيا في ضوء الازمات الامنية؟، وما الاوراق التي يمتلكها الغرب للتعامل مع الحضور الصيني في القارة السمراء؟.
التوترات في النيجر والتي قد تتحول الى صراع اقليمي تشغل بال الصين التي تعد أكبر شريك تجاري في القارة السمراء وصاحبة المشاريع التنموية الواسعة والممتدة على مسار الحزام والطريق، فبكين هي المستثمر الاكبر على الاطلاق في البنية التحتية الافريقية. من هنا جاء توجس الصين من خروج الامور عن السيطرة في النيجر مما يدفعها المراقبة بصمت وهدوء، فلم تتفاعل بكين بشكل كبير مع حادثة الانقلاب سوى بإخراج رعاياها من النيجر، لكنها تدرك بأن اي تدخل عسكري خارجي قد يفتح الباب امام حرب اقليمية ستنسف في مكان ما جهد اعواما طويلة من التمدد الناعم بالتجارة والاستثمارات والمشاريع الاقتصادية.
في الوقت نفسه وضعت بكين فرصة استثمارية امام النيجر لاستكمال بناء سد مائي داخل اراضيها ضمن مبادرة الحزام والطريق، ولكن قد تكون الامور اكثر صعوبة في هذا البلد رغم تعويل الانقلابين على افتتاح خط انابيب نفط جديد قد يعوض عن المساعدات الغربية التي تعتمد عليها دولة النيجر بنسبة 40% من ميزانيتها، الا ان التوترات نسفت حاليا فكرة عمل وتمدد مبادرة الحزام والطريق لاسيما وان الحضور العسكري الخارجي لبكين خافت ما جعلها غير قادرة على تأمين مصالحها اذا ما تعرضت للخطر.
لم تعد الصين تلك الدولة التي يسبقها الغرب في افريقيا على الاستثمارات والمشاريع التجارية فحتى العام الماضي استحوذت شركاتها على 31% من عقود البنية التحتية في افريقيا مقابل 12% للغرب، ولهذا وضعت واشنطن وحلفاؤها مبلغ 600 مليار دولار ضمن مبادرة جديدة تنافس الحزام والطريق، كما ان لتلك التوترات الامنية دور سلبي على مصالح بكين التي اصبحت اكبر شريك تجاري للقارة السمراء لكنها في المقابل متهمة بإغراق دول افريقية كثيرة فيما تسميه واشنطن (فخ الديون).
بعد كل هذا التصاعد او هذه التوترات الطارئة خاصة فيما يجري في النيجر انما يلقي بضلاله على المصالح الصينية هناك، واشارت التقارير التي تفيد بالتعليق السلمي لبناء سد مائي وهذا قد يعرض خط انابيب التصدير المقرر استكماله في نهاية هذا العام وانتكاسه وتعد الصين ثاني اكبر مستثمر في النيجر بعد فرنسا، ولكن السلطات الصينية تشعر بقلق متزايد من الفوضى السياسية والامنية هناك، وقد امرت مواطنيها بمغادرة البلاد.
عرف الاستثمار الصيني في افريقيا توسعا مهما رغم المنحنى التنازلي في التجارة والاقتصاد العالميين الناتج عن اثار الحرب وجائحة كورونا، وسنبين هنا بالأرقام كيف تطورت التجارة والاستثمارات الصينية مع الدول الافريقية.
الشركات الصينية تستحوذ على 31% من عقود البنية التحتية الافريقية التي بلغت قيمتها 50 مليار دولار او اكثر في عام 2022 مقارنة بنسبة 12% للشركات الغربية حسب تقرير مؤسسة هاينريش الاسيوية لفت الى انه في غضون 10 سنوات تجاوزت مشاركة الصين في مشاريع افريقية من خلال مبادرة الحزام والطريق واحد تريليون دولار على مستوى العالم، واوضح التقرير ان الصين هي ايضا اكبر شريك تجاري لأفريقيا حيث بلغ حجم التجارة فيها 250 مليار دولار عام 2021 مقارنة بـ 62 مليار دولار في التجارة بين الولايات المتحدة وافريقيا، وقالت الدراسة ان مشروعات البنية التحتية الصينية في افريقيا جنوب الصحراء بلغ اجماليا 155 مليار دولار على مدار العامين الماضيين 2021-2022 وعلى النقيض من ذلك بلغ اجمالي الاستثمار الاجنبي المباشر للولايات المتحدة في افريقيا 44 مليار و800 مليون دولار عام 2021، وضمن استكشاف واستخراج المعادن المهمة تقوم الشركات الصينية الان بشراء الليثيوم من زيمبابوي وناميبيا حيث لفتت الدراسة نقلا عن وكالات الطاقة الدولية الى ان حصة الصين من طاقة تكرير الليثيوم العالمية تبلغ 58% لتصبح الزبون الرئيسي لليثيوم في افريقيا.
حينما نذكر علاقة القارة الافريقية مع الصين لابد ان نذكر موضوع الديون، اذ تضاعفت ديون البلدان الافريقية خمس مرات خلال الفترة ما بين الاعوام 2000 الى نهاية 2020 ملامسة حاجز التريليون دولار وسط توقعات لتخلف واسع عن التسديد في العام الحالي 2023 وتتركز 66% من ديون افريقيا خارجية في تسعة بلدان تتصدرها جنوب افريقيا بحصة 15% ووفقا لصندوق النقد الدولي في حين تعاني 22 دولة بالفعل من اعباء الديون او غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، وكان تقرير سابق سلط الضوء على كيفية اغراق الصين لبعض الدول الفقيرة بمزيد من الديون خارج المؤسسات المالية العربية بقوانين تتحكم بها هي وحدها.
من جانب اخر، سلطت صحفية اسيا تايمز في تقرير لها نشر في الوقت الماضي القريب الضوء على حقيقة الوجود الصيني في الشرق الاوسط وافريقيا ويرى التقرير بأن الصين تستحوذ اقتصاديا وتكنولوجيا على البنية التحتية في الشرق الاوسط والقارة السمراء وقفزت في تلك المجالات خلال السنوات الأخيرة، لكن في مقابل ذلك لا يزال وجودها العسكري ضئيلا بالنظر الى القاعدة البحرية الموجودة فقط في جيبوتي كما ان قدرة القاعدة الصينية الحالية غير كافية لدعم مستوى المشاركة الاقتصادية.
اضف تعليق