ندعو المشرع العراقي لتعديل قانون الخدمة المدنية وقانون المخدرات والمؤثرات العقلية من خلال ادراج احكام توجب الفحص الطبي الدوري او المفاجىء للموظفين العامين للتاكد من سلامتهم من تناول المخدرات والمؤثرات العقلية حفاظا على كرامة الوظيفة العامة وعزل من يثبت بحقه الادمان من الوظيفه العامة مع اتخاذ اجراءات جزائية بحقه...

من مزايا التشريع الجيد احاطته بكافة الجوانب المطلوب معالجتها سواء كانت رئيسية او فرعية، حقيقة واقعة ام محتملة في المستقبل، وبرغم ان القاعدة الفقهية تقضي بأن النصوص متناهية والحوادث غير متناهية، ومعنى ذلك استحالة ان يحيط المشرع بكافة الوقائع والاحتمالات التي يمكن ان يعالجها المشرع وقت اصدار التشريع، الا ان عدم معالجة بعض الحالات الظاهرة للعيان والمشخصة من قبل المجتمع كونها اصبحت ظاهرة اجتماعية خطيرة تعد من قبيل الاغفال التشريعي الذي يتطلب من المشرع الانتباه له ومعالجته لاحقاً بموجب تعديل للقانون.

وبرغم ان كثرة تعديل القوانين قد تؤشر عدم جودة التشريع، الا ان التعديل يصبح ضرورة محتمة لجعل القانون يواكب تطورات الحوادث والوقائع والظواهر الاجتماعية السيئة، وبالرجوع الى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 نلاحظ انه تناول الجوانب الجوهرية للتشريع كانواع الجرائم واركانها والعقوبات المقررة لها وحدد انواع المؤثرات العقلية والسلائف الكيمياوية او النباتات التي ينتج عن تناولها تاثيرا عقليا كما تضمن احكاماً تخص من باع او اشترى او تملك او حازها او تسلمها او سلمها او نقلها، ومن المعروف ان من اهم اثار تناول هذه المواد ظاهرة الادمان على تعاطيها.

وقد عرفت منظمة الصحة العالمية الادمان عام 1950 بانه حالة دورية او مزمنة من التخدير المضرة بالفرد والمجتمع تنجم عن تناول مستمر للعقاقير الطبيعية او المركبة، ثم اعتمدت منظمة الصحة العالمية عام 1973 مصطلح الاعتماد بدلا من الادمان، وعرفت حالة الاعتماد بانها حالة نفسية واحيانا عضوية تنتج عن تفاعل بين الكائن الحي والعقار وتنعكس على شكل استجابات وانماط سلوكية مختلفة تشمل غالبا الرغبة الملحة لتعاطي العقار بصور متصلة او دورية للشعور بالاثار النفسية وتجنب الاثار غير المريحة الناجمة عن عدم تعاطيه .

مكافحة المخدرات

ويلاحظ ان القانون العراقي رقم (50) لسنة 2017 صدر بعد مصادقة العراق على اتفاقيات تتعلق بمكافحة المخدرات والاتجار بها وقمع العصابات التي تتاجر بها وبهدف توطيد التعاون الدولي لقمع عمليات الاتجار بها، ولهذا الغرض تضمن القانون استجابة لما ورد في هذه الاتفاقيات الدولية كتأسيس الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الصحة وتأسيس المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الداخلية وتاسيس مركز لمعالجة المدمنين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية .

كما سمح القانون اللجوء الى اسلوب مراقبة المدمنين للتوصل الى الشبكات والعصابات الرئيسية، وايضا معالجة موضوع غسيل الاموال المتأتية من الاتجار بالمخدرات والمؤثؤات العقلية، وبالمقابل لم يتضمن هذا القانون احكاماً للكشف عن انماط السلوك للمتعاطين والمدمنين حيث لم يشمل القانون الزام الوزارات والدوائر الحكومية باجراء الفحص الطبي للتاكد من سلامة المتقدم للعمل في الوظائف العامة من الادمان، حيث اصبح هذا الاجراء ضرورة حتمية مع تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات سواء من هم داخل الوظيفة العامة او من هم طور التقديم لشغل الوظائف العامة.

لذا ندعو المشرع العراقي لتعديل قانون الخدمة المدنية وقانون المخدرات والمؤثرات العقلية من خلال ادراج احكام توجب الفحص الطبي الدوري او المفاجىء للموظفين العامين للتاكد من سلامتهم من تناول المخدرات والمؤثرات العقلية حفاظا على كرامة الوظيفة العامة وعزل من يثبت بحقه الادمان من الوظيفه العامة مع اتخاذ اجراءات جزائية بحقه، فضلا عن وجوب اجراء الفحص الطبي للمتقدمين لشغل الوظائف العامة المدنية والعسكرية والامنية واستبعاد من يثبت بحقه التعاطي او الادمان والزام وزارة الصحة بتوفير الفحوصات اللازمة لهذا الغرض، ففي جمهورية مصر العربية تم اصدار القانون رقم (73) لسنة 2021 بشأن شغل الوظائف العامة سواء بالتعيين او التعاقد او بالاستعانة او الترقية او النقل او الاستمرار في شغلها، حيث الزم القانون المذكور ولائحته التنفيذية اجراء الفحص الطبي الاستدلالي بصورة مفاجئة في جهات العمل بمعرفة لجان فنية من وزارة الصحة والتعليم العالي، وفي حال ثبوت ايجابية العينه يتم احراز العينه كدليل ضد العامل بعد اطلاعه على النتيجة واخطار جهة العمل ويتم ايقافه عن العمل لمدة (3) اشهر وايقاف اجراءات التعيين لمن كان مرشح للتعيين، وبعد ذلك ترسل العينه للطب الـشرعي وفي حال صدور تقرير طبي توكيدي بايجابية العينه يتم انهاء خدمـــــــة العامل بقوة القانون، كما عد القانون تهرب العامل او امتناعه عن اجراء التحليل بصورة عمدية سببا موجبا لانهاء عمله .

طب شرعي

واعطى القانون للعامل ضمانات تتمثل في عرض عينته على مصلحة الطب الشرعي لاجراء تحليل توكيدي على نفقته الخاصة خلال (24) ساعة من تاريخ ظهور التحليل الاستدلالي فاذا كانت نتـيجة الفحص سلبية تلتزم الادارة برد كافة النفقات والمصاريف، كما تضمن القانون عقوبات بحق اللجان الطبية المختصة في حالات الغش او اوعرض عينه مخالفه للواقع تتمثل بعرضهم على النيابة العامة لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم، لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى الاخذ بالفحص الطبي لسلامة الموظف او طالب التوظيف من المخدرات قبل اشغال الوظائف العامة او للاستمرار في شغلها…والله الموفق.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق