q
الانتقال من الحالة الورقية الى الالكترونية في العراق، قد تأخر كثيرا ولذلك التأخر جملة من العوامل والاسباب التي يصعب ذكرها بالتفصيل، لكن أهمها هو الخلل العام في النظام المالي المتبع في البلد الى جانب المحسوبية والاخطاء السياسية التي تغلغلت في جميع المفاصل، ويدفع ثمنها المواطن في الوقت الحالي عبر متلازمة المراجعة الدورية للدوائر الحكومية...

يتدافعون على المداخل ويملئون الممرات، رجال ونساء بشتى الفئات، حريصون على إتمام معاملاتهم الخاصة بتحويل البطاقة التموينية الى الكترونية، حيث فرضت الجهات الرسمية على المواطنين هذا الاجراء كجزء من التحول نحو الحوكمة الالكترونية.

مشهد المراجعات لم يختلف ابدا عن المشهد الذي حصل بعد تغيير النظام، اذ لا يزال عدم التنظيم هو السائد، ولا يزال المواطن يجبر على الوقوف لساعات طويلة في طابور الانتظار، وكأن الحكومة لا تريده ان يفارق هذه الأبنية التي تربطه فيها علاقات وطيدة منذ عقدين من الزمن.

وقد تحولت هذه المراجعات او العلاقة مع المؤسسات الحكومية الى متلازمة لا يمكن الاستغناء عنها او مفارقتها، وكأن الجهات الرسمية لا تود رؤية الفرد يقضي معاملاته الروتينية من المنزل، تريد التأكد انه كائن حي يستطيع التنقل والحركة ودفع الرسوم بصورة مباشرة.

من الاسباب الرئيسة التي تجعل الحكومة تُلزم المواطن بالحضور الى الدائرة، هو عدم وجود نظام جباية الكتروني يمكنها من استحصال عائدتها بسهولة دون تحمل المواطن عناء المجيء بظروف مختلفة كالحر او البرد، الى جانب صعوبات التي ترافق ذلك بالنسبة لكبار السن او ممن ليس لديهم معيل.

قرابة العقدين لم تجتهد الحكومة بوضع آلية توفر فيها الراحة على جميع الأطراف، وان وفرت فهي ليس من اخترعت هذا الأسلوب التقني المتطور، فقد سبقتها أشواط اغلب دول المنطقة التي عرفت كيف توظف التكنولوجيا الحديثة لخدمتها وراحة مواطنيها.

ومن دواعي الاعتراض على المراجعات المستمرة الى دوائر الدولة هو عدم توفير أدنى درجات الراحة للمواطن، فمن عليه الانتظار طويلا يجب ان يتقبل التبلل بالعرق المتوزع على أجزاء الجسم بالتساوي، ويرجع ذلك الى عدم وجود تهوية للمكان المزدحم، والاكتفاء بمروحة هوائية تعطي كل مراجع حقه من الهواء الحار.

لو توفرت الظروف والأجواء البسيطة لم نقل المثالية، يغيب التذمر والضجر في حال المراجعة الدورية، فلا يكلف الدولة مبالغ طائلة توفير مكيفات هواء في الأماكن المخصصة لانتظار المواطنين، الذين يعتبرون مجرد مجيئهم الى الدائرة متفضلين على الحكومة التي من واجبها إكمال هذه الإجراءات بعيدا عن المواطن.

وما يثير الغضب لدى المواطن المراجع للمؤسسات الحكومية هو تنعم المسؤول المعني بالراحة المفرطة، من خلال توفير الهواء البارد والنقي، الى جانب تزويد الغرف بأثاث ومستلزمات باهظة الثمن، وهي ما تجعل الفرد يطلق تنهيدة تلو الأخرى لما وجده من اهتمام بالإنسان الموظف.

لقد سئم المواطن البسيط جميع الإجراءات المعقدة المتبعة في المؤسسات الحكومية، وقد اخذت بالتزايد والتشعب باستمرار، لذا فمن الصعب وعلى اقل تقدير في القريب ان تنتهي علاقة المواطن بالدائرة، وتكون مراجعته محصورة على موقعها الالكتروني، وبذلك يكون اضيف لمسلسل المعاناة حلقة أخرى ومن المرجح ان تزداد الحلقات تباعا.

الانتقال من الحالة الورقية الى الالكترونية في العراق، قد تأخر كثيرا ولذلك التأخر جملة من العوامل والاسباب التي يصعب ذكرها بالتفصيل، لكن أهمها هو الخلل العام في النظام المالي المتبع في البلد الى جانب المحسوبية والاخطاء السياسية التي تغلغلت في جميع المفاصل، ويدفع ثمنها المواطن في الوقت الحالي عبر متلازمة المراجعة الدورية للدوائر الحكومية.

اضف تعليق