الركن الأساس لمحاربة الفساد في العراق يتمثل بالقانون وهو ما تم تغييبه بالمطلق، اما الطرف الآخر من المعادلة فهو المجتمع الذي تم تحويله الى كتلة عاجزة عن المواجهة ومستعدة لاختيار أكثر الأشخاص فسادا في أقرب انتخابات، وهنا سر عدم وجود قتلى وجرحى في الحرب على الفساد...
هل سمعتم من قبل عن حرب بلا قتلى او جرحى؟، هل سمعتم عن معركة بلا مكان محدد لوقوعها؟، نسمع كثيرا عن محاربة الفساد، وما تشنه الحكومة العراقية من حملات لمنازلة الفاسدين من السياسيين، فأين هم الجنود وأين نتائج هذه المعارك؟
من الاستخفاف بالعقول هو نشر او تناول هكذا اخبار من قبل وسائل الإعلام التابعة للسلطة او المعادية لها، ففي الأساس لا توجد حرب على الفساد لكن الذي يحدث هو نزاع على الحصص وفي حال التوصل الى تراض مقنع لجميع الأطراف، يطوى ملف القضية ويحول الانتباه الى غيرها من القضايا.
وقد انعكست الآية في الآونة الأخيرة، ففي العراق صارت الحرب تشن ضد القلة القليلة التي لا تزال محافظة على ما لديها من قيم وعادات وحب حقيقي لهذا البلد، وتجد مثل هؤلاء الأشخاص محاربين مشردين بين الدوائر، لا يستقرون في دائرة او عمل لأيام معدودة ليس لكونهم غير كفوئين، بل لأنهم لا يقبلون بقافلة الفساد ان تمر بجانبهم او بعلمهم.
وبذلك قد يكون الحديث عن تصفية الفاسدين نوع من المبالغة او جانب من جوانب الرفاهية الشعبية، او واحدة من الامنيات المحبوسة، ونقول امنيات لان الشخصيات الفاسدة او المشتبه بها جزء كبير منها مشترك ولا يزال يشترك في العمل السياسي واتخاذ القرارات على مستوى عال في السلطة.
وهنا تكون السياسية قد طُوعت لخدمة الأحزاب التي تسببت بهدر المال العام وتكبيد هذا البلد خسائر كبيرة على جميع المستويات، وبات من المستحيل البحث عن المتسبب او العثور على فتات لهذه الأموال التي لا يمكن حصرها منذ تغيير النظام الى الآن.
في معلومة دقيقة واكيدة، ومن المفارقات الغريبة الحاصلة في البلد ان العمل في هيئة النزاهة ومحاربة الفساد لا يمكن ان يكون دون مقابل، وعندما فتحت الهيئة باب القبول لموظفين يكونون أداة من أدوات المحاربة، فأن هذا التوظيف حصل مقابل رشوة مادية!
ومن يأتي للوظيفة بهذه الطريقة هل تتوقع منه خيرا او القضاء على هذه الظاهرة التي مزقت وبعثرت الخيرات الوطنية بيد من لا يملكون المواطنة الحقيقة، ويغطون هذه الحقيقة بالتصريحات المنمقة والشعارات الكاذبة.
وتبقى المعركة الرئيسة مع الفاسدين دون انتصار او نهاية معلنة، ولا يمكن ان تعرف عدد اسراها، لان اغلبهم قبيل بدء المعركة تهيئ له الظروف للهروب خارج البلد وبدء مرحلة شن الهجوم المعاكس على رجال السلطة، لحين ان تأخذ الأمور تجاه التهدئة التي تسبق الغلق النهائي للقضية.
العراقيون تكونت لديهم قناعة تامة بعدم جدية الحكومة بتفعيل ملف الفساد وملاحقة المتورطين، معتمدة بذلك على وقتية التعاطي الجماهيري مع جميع قضايا الفساد التي اخذت حيز كبير على وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، وبمجرد تركها متابعتها إعلاميا تنطفأ جذوة المتابعة.
بل بالعكس المشتبه بفسادهم او المشتركين بصورة فعلية، يتمتعون بمقبولية مميزة في الأوساط المجتمعية، فالأغلب يحاول التقرب منهم بنية الحصول على حصة يسيرة من حقوقه المنهوبة، وفي المقابل يصعب مواجهتهم بالحقيقية التي يجب ان تقول في حضرتهم ومنعهم من التمادي في كسبهم غير المشروع.
الركن الأساس لمحاربة الفساد في العراق يتمثل بالقانون وهو ما تم تغييبه بالمطلق، اما الطرف الآخر من المعادلة فهو المجتمع الذي تم تحويله الى كتلة عاجزة عن المواجهة ومستعدة لاختيار أكثر الأشخاص فسادا في أقرب انتخابات، وهنا سر عدم وجود قتلى وجرحى في الحرب على الفساد.
اضف تعليق