التوظيف لم يعد حتما حركة حيوية إنتاجية وتلبية لحاجات اجتماعية ملحة، إنما قد يكون عملية استهواء وكسب رضا أفراد في المجتمع من خلال خلق فرص عمل وتعيينات وظيفية عشوائية لا تمت للحاجة بصلة! تتراكم التعيينات غير الناجزة في دوائر الدولة بقصد توزيع مرتبات شهرية لموظفين جدد لا حاجة لوجودهم...
ما هي اسباب وتداعيات التوظيف الحكومي في العراق؟ وما هي المقترحات اللازمة لترشيد التوظيف الحكومي؟
تعرف الوظيفة بأنها مجموعة من المهام والواجبات والمسؤوليات تحددها سلطة في القطاع العام أو الخاص من أجل تقديم خدمة أو خدمات فاعلة محددة للمجتمع على الوجه النظامي الصحيح، لملأ حاجة من حاجات المجتمع او عدد من احتياجاته.
يشغل الوظيفة شخص يرتقي بالكفاءة لإنجاز مهامه بشكل دائم أو مؤقت مقابل أجر محدد ويتمتع بحقوق وامتيازات الوظيفة الموكلة له. استحداث الوظائف هو جزء هام من مهام برنامج ميزانية الدولة ينجز بواسطة لجنة توظيف خاصة مكونة من مندوبين يمثلون وزارات مختصة كوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد، إضافة إلى مندوبين من جهاز دراسة الميزانية في الحكومة عادة.
من الأهداف الأساسية للجنة التوظيف المركزية في الخدمة المدنية هو ترشيد الإنفاق والحد من التضخم الوظيفي بل منع حصوله على قدر الإمكان.
مجالات التوظيف يجب أن تركز على شؤون هامة وأساسية في متطلبات وحاجات المجتمع على المدى القريب والمتوسط والبعيد واهمها في المجالات الخدمية والإنتاجية ومنها: بناء وإصلاح البنية التحتية في الدولة، النهوض في المجال الصناعي والزراعي، تلبية متطلبات الأمن الصحي والغذائي والبيئي، تطوير الاستثمار بكل أوجهه ابتداء من استثمارات النفط ومشتقاته ومرورا بالاستثمار الصناعي والمعدني والزراعي والسياحي وغيره، تنويع واردات الدولة وعدم حصرها في قطاع خاص دون غيره، اعمار المدن ومراكزها والاهتمام بعامل التنظيم والنظافة وتلبية الخدمات الضرورية للمجتمع على أفضل وجه.
هكذا يكون التوظيف حاجة وهدف إجتماعي منشود لتحقيق وتوفير الخدمات الرئيسية للمجتمع من جهة ولرفد الاقتصاد الوطني من جهة أخرى. هذا هو منطق التوظيف وهذه أهدافه، غير أن المراقب للوضع في العراق يرى صورة مغايرة لما ينبغي أن يكون! فلو نظرنا مليا الى قطاع التوظيف لوقعنا على عناصر الخلل وحيثياته في هذا المضمار والمتمثلة بما يلي:
التوظيف لم يعد حتما حركة حيوية إنتاجية وتلبية لحاجات اجتماعية ملحة، إنما قد يكون عملية استهواء وكسب رضا أفراد في المجتمع من خلال خلق فرص عمل وتعيينات وظيفية عشوائية لا تمت للحاجة بصلة! تتراكم التعيينات غير الناجزة في دوائر الدولة بقصد توزيع مرتبات شهرية لموظفين جدد لا حاجة لوجودهم. هذه العمالة الزائدة عن الحاجة الفعلية في دوائر الدولة ومؤسساتها يطلق عليها إسم "التضخم الوظيفي".
التضخم الوظيفي هو أشبه ما يكون ببطالة خفية مبطنة، تجعل المجتمع استهلاكيا أكثر منه انتاجيا وتعتبر هدر واضح للمال العام وتخدير موضعي مؤقت لاحتياجات المجتمع الحقيقية والضرورية. معالجة السياسي للبطالة في المجتمع، بخلق ظاهرة التضخم الوظيفي دون الاستثمار الحقيقي بما يحقق متطلبات المجتمع المستقبلية، يشبه إلى حد كبير معالجة طبيب غير حاذق لمواقع الألم لدى المريض باستخدام التخدير الموضعي لإخفاء الألم مؤقتاً دون علاج أسباب الحالة!
التضخم الوظيفي هو موت بطيء للإقتصاد لأنه إستثمار في الاستهلاك دون الإنتاج، وهو بعثرة لثروة وطنية وتوجيه غير موفق في استخدامها. فوق هذا وذاك فإن التضخم الوظيفي يضعف زخم الحكومة في تطوير الخدمات الأساسية للمجتمع في الصحة والتعليم والإعمار وفي بناء البنية التحتية للدولة وإعادة بناء ما تحطم من مؤسسات خدمية وصناعية وزراعية وسياحية وتنشيطها وخلق فرص عمل فعالة ومجدية فيها. ومهما يكن من أمر فإن التضخم الوظيفي لا يزيد طاقة العمل وفعاليته بل قد يعيق سهولة الحركة المطلوبة ويعرقلها.
أسباب التضخم الوظيفي بشكل عام قد تكون مدار نقاش بين المهتمين وأهل الإختصاص، فقد تشترك وتتباين الدواعي والأسباب لهذه الظاهرة في البلدان والمجتمعات، حيث تلعب الظروف الإدارية والإقتصادية والاجتماعية ادوارا في خلق هذه الظاهرة، غير أن السلوك السياسي الغريب في العراق هو اللاعب الأبرز في نشوء هذه الظاهرة وترسيخ وجودها!
ليس التضخم الوظيفي هو الخلل الأوحد في نظام التوظيف في العراق فحسب، إنما هناك هفوات ومقالب وأخطاء تزيد الطين بلة في هذا المضمار ومنها: السوء الإداري والفساد والرشوة في نظام التوظيف والتعيينات، بروز ظاهرة الوظائف الوهمية وصرف رواتب لكيانات غائبة عن الوجود، غياب العدل والانصاف في عملية التوظيف، عدم الشعور بالمسؤولية وعدم الإخلاص في الواجب، عزل الرجل المناسب عن مكانه المناسب، المحسوبية والمنسوبية واعتبار الولاءات.
كل هذه الأمور وغيرها لعبت وتلعب دورا في صناعة الخلل بعملية التوظيف والتعيينات واشغال المناصب في العراق، واخيرا وليس اخرا تؤدي هذه الممارسات غير السوية بشكل مباشر وغير مباشر الى خلق ظاهرة التضخم الوظيفي ومضاعفاته أيضا!.
اضف تعليق