الركون الى العشوائية في الاختيار وانعدام التفاهم بين الأزواج، وعدم المعرفة في طرق التربية الصحيحة، والقرارات المتسرعة او الفردية، وانعدام الأجواء المثالية لتكوين الاسرة الصالحة، هي مثل المعاول التي تسرع في عملية هدم هذا البناء الأهم في الحياة، وبالتالي تحول الاسرة ومن فيها الى مستنقع للمشاكل والخلافات...
العائلة هي أجمل ما يملك الانسان في هذه الدنيا، الاب والام يشكلون لبناتها الأساسية الى جانب الأبناء، يتشاركون فيها صعاب الحياة وحلوها، ويتقاسمون معاً أصعب الظروف الى الأوقات الرائعة والمميزة، ويعتمد فيها تماسك الاسرة على طبيعة الثوابت التربوية التي أنشئت عليها، ومدى صلاحها واعتدالها وديمومتها، وهل هناك مقومات حقيقية لاستمرارها كأسرة سعيدة لا تعاني من العقد الاجتماعية او التخلف والجهل او التفرد في السلطة الذي يؤدي الى انفراط عقدها وضياع جهد السنين في لحظات.
احد الافراد وهو اب لأسرة، يقول انه فقد التواصل تماماً مع جميع افراد اسرته، وأصبح عاجزاً عن لم شملها او إيجاد الحل المناسب للمشاكل التي تعصف بها، وهو يشعر بان كل شخص من افراد اسرته غريب عن الآخر رغم وجودهم تحت سقف بيت واحد، او كما يصف الله تعالى التفرق والضياع لدى البعض في محكم كتابه بقوله: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ).
تذكرت وهو يتحدث عن الخذلان والإحباط الذي يشعر به، وكم المشاكل التي يمر بها، كلام للمرجع الراحل الأمام السيد محمد الشيرازي في أحد كتبه التي تناولت تشكيل الاسرة في الإسلام، وهو يتناول فيه المقدمات السليمة التي تثمر نتائج سليمة، خصوصاً في تشكيل الاسرة ومدى صلاحها: "إن لكل عمل مقدمات يعتمد عليها، فإذا كانت المقدمات صحيحة وسليمة، كانت النتائج سليمة أيضاً ومثمرة، كالأساس الذي نضعه لقاعدة البناء، فكلما كان متيناً كان البناء الفوقي ثابتاً ورصيناً، وكذلك الأسرة، فهي بمثابة البناء الفوقي، وإن لـها مقدمات إذا صلحت صلحت بها الأسرة، ونحن كلما كان اختيارنا للمقدمات السليمة والمتينة والعقلائية كانت الأسرة صالحة ونظيفة ومؤمنة، وبعيدة عن أجواء الفساد والتخلف".
والحقيقة التي يعرض عن الاعتراف بها اغلب الأزواج تتجلى في أهمية وضرورة البناء السليم الذي أشار اليه الشيرازي فيما تقدم، سيما وان الركون الى العشوائية في الاختيار وانعدام التفاهم بين الأزواج، وعدم المعرفة في طرق التربية الصحيحة، والقرارات المتسرعة او الفردية، وانعدام الأجواء المثالية لتكوين الاسرة الصالحة، هي مثل المعاول التي تسرع في عملية هدم هذا البناء الأهم في الحياة، وبالتالي تحول الاسرة ومن فيها الى مستنقع للمشاكل والخلافات والتناحر، لتنعكس سلباً على الأبناء وتحملهم المزيد من العقد الاجتماعية والنفسية التي ستنعكس بدورها على اسرهم في المستقبل.
المطلوب ما أشار اليه الامام الشيرازي (رحمه الله) في قوله: "وتبقى الخطوات التي يلزم أن يقومان بها معاً، وهي تربية الأولاد على النهج الإسلامي القويم، وتدبير المنزل، وخلق الأجواء الإيمانية فيه، وإبراز الحب والود والحنان للأطفال، وأن تسود المنزل ظاهرة الأبوة السمحة والأمومة العاطفية، وتغذية الأولاد بالأفكار والمفاهيم الإسلامية الرفيعة، لكي تكون بمثابة الأساس والمنطلق القويم لـهم في الغد، والابتعاد عن الأجواء الفاسدة والعلاقات المضطربة بين الأبوين وإبعاد الأطفال عنها، وإبداء الاحترام للجيران وتعليم الأطفال ذلك، وغير ذلك من البرامج الإسلامية التي وضعها الإسلام للمحافظة على الأسرة بصورة عامة، والحياة الزوجية بصورة خاصة".
ان صلاح أي مجتمع يعتمد على صلاح الاسرة، لذلك وجب الاهتمام بتكوين الاسرة باعتبارها النواة الأولى لبناء المجتمع، فهي (الاسرة) الأساس في تنشئة أبنائها على التربية الصالحة، وهي الرافد المهم لتغذية الافراد بالإخلاف الحسنة والقيم والعادات السليمة، وهي القادرة على خلق جيل معافى من الامراض النفسية والاجتماعية، وهي الحصن والجامع لمنع التفكك الاسري واوهام الثقافة المادية.
لذلك ينبغي مراعاة بعض النقاط المهمة قبل الشروع في تشكيل الاسرة التي قوامها الزوج والزوجة وثمارها الأبناء ومنها:
1. الاختيار المناسب: وهو الأساس الذي تتشكل منه الاسرة (الزوج/ الزوجة) إذا بصلاحهما تصلح الاسرة وبخلافهما تهدم الاسرة، لذلك كان الاختيار المناسب هو المعيار في تحديد مدى صلاح الاسرة، ويختلف هذا المعيار من فرد لآخر، فالبعض يضع الجمال او المال او النسب كمعيار، بينما حث الإسلام العظيم على تفضيل معيار الدين والأخلاق في المفاضلة، خصوصاً وان هذا المعيار يعطي الطمأنينة والاستقرار والسلام والسعادة للأسرة والابناء، بخلاف الخيارات الأخرى التي سرعان ما تزول نتيجة لعوامل الزمن وتقلب الظروف وغيرها.
2. التربية الصحيحة: وهي الركن الأهم في صلاح الاسرة واسهاماتها الإيجابية في المجتمع، فطريقة التربية التي سيختارها الزوجان هي من تشكل الفهم العام للأبناء وثقافتهم وطريقة تفكيرهم واخلاقهم ومدى صلاحهم، وقد تعاني الكثير من الاسر في اختيار الأنسب من طرق التربية، واغلبهم يتوهم في اعتماد التقليد لثقافات مجتمعات أخرى من دون معرفة مسبقة لنتائج هذا التقليد: "أما إذا تشبثنا بالعادات الوضعية الدخيلة، وتمسكنا بظاهرة التقليد التي راجت كثيراً في بلداننا الإسلامية، تحاول أن تقلد نظام الأسرة في المجتمعات الغربية، فإن نتيجة ذلك هو: التفكك الأسري، والانحلال الأخلاقي".
3. الجو الاسري: ان توفير الجو الاسري الهادئ القائم على المحبة والسلام والسعادة والتسامح سيعطي دفعة معنوية مهمة للأبناء في تشكيل شخصياتهم واستقرارهم النفسي والمعنوي، وسيمنع وجود فراغ عاطفي ومعنوي قد يؤدي الى مشاكل وامراض نفسية لدى الأبناء في المستقبل، كما سيوحد الاسرة في مواجهة الصعاب والظروف المختلفة ويحافظ على تماسك الاسرة وحيويتها.
4. التعليم والثقافة: الحصول على التعليم الجيد والتزود بالثقافة امران مهمان في تطور المستوى العلمي والمعرفي للأسرة، وهو امر جوهري في زيادة الوعي والادراك لدى الانسان، والميل نحو التعقل والحكمة لدى الاسرة وافرادها، وبالتالي وجود اسرة متسلحة بالعلم والمعرفة يختلف تماماً عن الاسرة التي يعاني افرادها الجهل والتخلف والايمان بالخرافات والعادات البالية.
5. الايمان والأخلاق: يقول الامام الشيرازي: "عندما يملأ الإيمان بالله تعالى كل جوارح الإنسان وجوانحه، وعندما يستضيء بنور المعرفة والتوكل على الله، عندها يرى الإنسان الأشياء على حقائقها، ولكن عندما يبتعد الإنسان عن الله تعالى، ويخبو الإيمان في قلبه، عندها يرى الأوهام حقائق، وتبرز عنده الأزمات النفسية، وتضعف همته".
ويضيف: "ولكن، وللأسف، دأبت بعض العوائل في يومنا هذا على خلاف ما ذكرناه من القناعة والمحبة، فظهرت في الأسرة مشاكل وأزمات وبرزت هذه المشاكل على سطح الحياة، لتعبر بصورة أو بأخرى عن رداءة العلاقات الروحية فيما بين الزوجين، وضعف الإيمان، أو انعدام الإيمان، ثم عدم التوكل على الله تعالى، وعدم جعل رضا الله تعالى هو المنطلق والأساس في حياتهما، بل أقحموا بعض الأمور التافهة في حياتهما، وجعلوها هي الأساس والمنطلق".
والخلاصة ان تشكيل الاسرة الصالحة يعتمد بالأساس على خيارات الزوجين في اعتماد النهج او الأسلوب الأمثل في العلاقة بينهما من جهة، والعلاقة التي تجمعهما مع ابنائهما في المستقبل، وهذه العلاقة هي من ستحدد مدى صلاح الاسرة ونجاحها في الاستمرار والمحافظة على تكوينها، يقول تعالى: (والله جَعَلَ لَكُم من أَنفُسِكُم أَزوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزَوَاجِكُم بَنِين َ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِن الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُم يَكْفُرُون).
وقد يلجأ البعض الى التقليد في اختيار طريقة التربية لمجتمعات وثقافات أخرى لاعتبار ان هذه المجتمعات متطورة تكنولوجياً وصناعياً من دون معرفة مسبقة لهذه المجتمعات التي تعاني الأمين نتيجة لما تعانيه من انحلال أخلاقي وتفكك أسرى أدى الى وجود حالة من الاغتراب الاجتماعي والانعزالية والنزعة الفردية وانعدام العلاقات الاجتماعية بين افرادها.
لذلك سعى الدين الإسلامي الحنيف، عبر اليات وبرامج وتعاليم خاصة تعنى بتكوين الأسرة الصالحة والمحافظة عليها، لمنع تهديم المجتمع من خلال الاسرة، او تهديم الاسرة من خلال المجتمع، وبالتالي الوصول الى حالة من الاستقرار والتوازن.
اضف تعليق