لا يمكن ان يبدع المعلم او الموظف او أي انسان وهو يعيش بحالة مادية متدنية لا يمكن بموجبها توفير ابسط مستلزمات الحياة، وفي الوقت نفسه يُطلب منه العمل على تطوير مهاراته وخبراته الذاتية، ويُماشي التطورات في اختصاصه، لقد اهملت الحكومة العراقية جميع الافراد وكل ما يتعلق بالتنمية الاجتماعية...
تنشغل الحكومة بوضع الخطط التنموية، وتعقد لهذا الهدف العشرات من المؤتمرات، وتنظم زيارات دورية الى الدول الرائدة في مجال التنمية، بينما لا نجد أي خطة او نية لتنمية الانسان وجعله فرد مُنتج على غرار اقرانه في البلدان المتطورة.
الافراد في أي بلد هم المادة الأولية والاساسية للنهضة، ولا يمكن ان يحدث أي تقدم في مجال ما بعيدا عن اشراف الانسان وتدخله، ونلحظ في الدول المتقدمة في شتى المجالات انها أعطت الانسان المكانة التي يستحقها ووفرت له كافة الإمكانات الضرورية للأبداع.
ففي اليابان على سبيل المثال يقال ان المعلم يحظى بمكانة تفوق مكانة الطبيب، وحين الاستفهام عن ذلك، قيل لأنه الأساس الذي أوصل الطبيب وجعله يمارس الطب، وهو من تتلمذ المحامي على يده وغيره من الفروع الدراسية، فالاحترام الكبير للمعلم هو من حفزه على تقديم المادة العلمية بأتم صورة.
وبالطبع يرافق ذلك توفير بيئة دراسية بمواصفات عالية، لتكون العملية تكاملية يكمل بعضها البعض، وكل ذلك دليل قطعي على مكانة الانسان المرموقة بصورة عامة، والذي يجعل أصحاب الشأن يدركون أهمية هذا الاهتمام وانعكاسه على مستقبل البلد من جوانب متعددة.
وعلى سبيل المثال أيضا في العراق قد يكون المعلم من الطبقات المعدومة من حيث المرتب والاهتمام الحكومي، فأغلب المعلمين والمدرسين يركنون الى اعمال أخرى الى جانب الوظيفة الحكومية تساعدهم على العيش، وإذا كان الحال هكذا فكيف يتولد الابداع؟
لا يمكن ان يبدع المعلم او الموظف او أي انسان وهو يعيش بحالة مادية متدنية لا يمكن بموجبها توفير ابسط مستلزمات الحياة، وفي الوقت نفسه يُطلب منه العمل على تطوير مهاراته وخبراته الذاتية، ويُماشي التطورات في اختصاصه.
لقد اهملت الحكومة العراقية جميع الافراد وكل ما يتعلق بالتنمية الاجتماعية، ومن الممكن ان ترى طرق معبدة وبناء بعض المؤسسات الحكومية كالوزارات او المستشفيات وغيرها ممن يقدم خدمات للمواطنين.
لكن من النادر ان ترى بناية ويقال لك انها مركز ثقافي، او معهد متخصص بتعليم اللغة الإنكليزية او الاسبانية او الروسية، او مركز يقدم دورات حرفية لتنمية بعض المهارات وتطوير الخبرات وإدراجها في سوق العمل ليكون أصحابها منتجين غير مستهلين كغيرهم من شرائح المجتمع.
يفتقد العراق الى المعاهدات والتعاون الثقافي مع الدول، وان وجد مثل هذا النوع من التبادل المعرفي فهو ضئيل ومحدود جدا، ويبقى الفرد يعتمد على نفسه في الاشتراك بدورات تطويرية لعمله ومواكبة الطفرات الحاصلة في جميع المجالات بعيدا عن الاعتماد على الحكومة وما توفره من دعم بسيط في اغلب الأحيان.
ولم يقتصر التراجع او عدم الاهتمام بالجوانب التطويرية، فقد يمتد التخلف الى النظم الاجتماعية التي الا الآن تتسم بالكثير من العقد، ناهيك عما تعانيه من ارتفاع كبير في نسب الامية، وهذا وحده دليل على الأوضاع المأساوية التي تعاني منها اغلب المناطق النائية او المنفصلة عن مراكز المدن.
يبدوا ان الانسان ليس محور اهتمام الحكومات التي حكمت البلاد منذ تغيير النظام الى وقتنا الحالي، وكل ما قيل في هذا الخصوص يبقى حبر على ورق، فالتنمية الحقيقية بالإنسان ليس مجرد شعار يطلق او قرار تعلن عنه الجهات الرسمية في البلد.
فهي تعني ان البلد قائم على خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الاجل، تصب جميعها للنهوض بواقع الفرد والنظر بما يعانيه الفرد من نقص في التعليم والصحة، الى جانب غياب البيئة الحاضنة له ليتحرك فيها بمطلق الحرية ويمارس حقوقه في الابداع والتميز بما يحب.
ولا يمكن ان تحصل التنمية الفردية والبلاد تفتقر الى ورش عمل تدريبة وظيفتها تأهيل الافراد والاستفادة من خبراتهم في مجالات شتى، وبالتأكيد نفتقر الى هذه الورش طالما هنالك غياب تام الى المصانع الوطنية التي من الممكن ان تحتضن هذه الشرائح وتنميها بما يخدم البلد على المديات البعيدة.
وهنا تأتي الحاجة الماسة الى البدء بخطة تنموية شاملة محورها الرئيس هو الانسان، في الوقت الذي يزخر العراق بطاقات شبابية هائلة لا يمكن الاستهانة او التفريط بها، فهي بحاجة الى التوجيه الصحيح لتكون رأس المال الذي تسند اليه القطاعات المتعددة، وبالنتيجة يظهر لنا افراد منتجين قادرين على الاخذ بزمام الأمور من اجل النهوض والتقدم.
اضف تعليق