عندما يكون الخطيب متميزا بثقافته و وعيه وامتلاكه إلى لغة خطابية واضحة، ونبرة صوتية متمكنة، وشخصية متوازنة قادرة على زرع بذور الإقناع في اسماع وقلوب المستمعين له أو الحاضرين لخطبه، فبناء شخصية متكلمة ومقنعة ليس بالأمر الهيّن، لكنه من الممكن أن تُبنى شخصية خطابية متفردة مع الزمن...
فن الخطابة هو فن إلقاء الأفكار على مجموعة من الناس وتوصيلها لهم عبر الكلمات، هذا هو التعريف المختصر والبسيط للخطابة، ويُعد فن الخطابة والإلقاء من أشهر الفنون النثريّة في الأدب العربي، إذ عُرف هذا الفن منذ العصر الجاهلي، وازدهر في بداية عصر صدر الإسلام، أما الخطابة فهي توجيه الكلام لمجموعة من الجمهور من أجل الإفهام، وهو فن ذو صبغة شفاهيّة، أي أنه يعتمد على وقوف الخطيب بين مجموعة من الناس والقيام بإلقاء كلماته وأفكاره عليهم.
كما أن الخطابة لها أساليبها المعروفة، ولها أهدافها أيضا، ومن أهم هذه الأهداف سعي المتكلم أو الخطيب إلى إقناع الناس الذي يستمعون له بأفكاره وبما يقوله من آراء وكلمات، كما عرّف بعض الأدباء فن الخطابة بأنّه هو إلقاء الكلام المنثور سجعًا كان أو مرسلًا، من أجل استمالة المستمعين والمخاطبين إلى رأي ما، أو ترغيبهم بشيء يدعو له الخطيب.
أما أرسطو فقد عرّف الخطابة بأنّها قوة تتكلف الإقناع. وهذه أهم سمة يجب أن تتحلى بها الخطابة عبر مجموعة من العوامل التي يجب أن تتوافر عند الخطيب سواء في شخصيته، وثروته اللغوية، وطريقة لفظه للكلمات ونبرة صوته، وقوة شخصيته، ودرجة الإقناع التي يمكن أن يحققها عند الناس الذين يتلقون كلماته وأفكاره عبر خطبته.
أنواع فن الخطابة
في الحقيقة يتنوع فن الخطابة تبعا لطبيعة الخطبة، والأفكار التي يُراد توصيلها للوسط المستهدَف، كذلك هناك دور للخطيب نفسه يلقي بظلاله على نوع الخطبة، وغالبا ما تتشكل شخصية خاصة بالخطيب، ونبرة صوت خاصة، وكلما اقترب الخطيب من الصدق والوضوح والاعتدال، يمكنه إحراز درجة إقناع عالية عند المستمعين، وبالتالي تتحقق له شخصية خطابية خاصة به يحبها الناس ويفضلون الاستماع إليها.
ويمكن تقسيم الخطب بحسب المضامين التي تحملها، فهناك أنواع من الخطب يمكن تقسيمها كالتالي:
الخطب الفكرية
عادة ما تكون ذات أبعاد فكرية تسعى إلى إفهام الناس بالمواضيع الفكرية التي تجعلهم أكثر فهما لما يحدث حولهم، وغالبا ما تعالج بعض الأفكار ذات الأهمية الكبيرة التي تمس حياة الناس، وتسعى لتوعيتهم وتطوير أفكارهم وتحميهم من الثقافات الهدامة، كالإلحاد، والعبث، واللاجدوى، والأفكار المنحرفة التي تبثها آلاف القنوات والمنصات لاسيما مع الانفتاح الإلكتروني الساحق في عصرنا هذا.
الخطب الدينية
وهي خطب في الغالب تكون ذات طابع ديني، تسعى لتوضيح العقائد والأحكام الدينية، والتكليفات والحقوق، وأداء الفرائض، كما أنها توضح للناس الكثير من الجوانب التي يتدخل فيها الدين، لاسيما التعاملات المختلفة بين الناس، ووضع الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام عبر التشريعات والأحكام الدينية وتفسيرها وتوضيحها للناس.
الخطب الأخلاقية
تعصف في مجتمعاتنا في العصر الراهن حملات تخريبية هائلة بمساعدة وسائل إعلام منحرفة، فضلا ببعض المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فبعض هذه المنصات تقوم بترويج الأفكار والأخلاقيات الخبيثة التي تهدف إلى تخريب أخلاق الناس، وخصوصا الشباب منهم، ومهم الخطبة الأخلاقية أن تحمي الناس من الانحراف والانجراف في هذه الثقافات والأخلاقيات المتهافتة على الانحلال والتفسخ.
خطب المناسبات والزيارات الدينية
وهو نوع معروف من الخطب، حيث يسعى الخطباء إلى تقديم خطبة حول شخصية معينة في ذكرى ولادتها أو استشهادها واتخاذ سيرتها عبرة للمستمعين، ومحاولة غرس القيم الصالحة عند الناس من خلال سيرة الشخصية والآثار الأخلاقية والدينية التي تركتها عبر مسيرتها في الحياة.
كيف تؤثّر في الجمهور؟
هناك خطوات تساعد الخطيب على جذب انتباه وأسماع واهتمام الأشخاص، هذه الخطوات وضعها بعض المختصين، توجزها الكاتبة رهف السيد في مقال لها عن الخطابة، حيث يعتمد فن الخطابة والإلقاء على مجموعة من الخطوات التي تساعد في التأثير في الجمهور، وكسب ثقتهم وإقناعهم، ومن أبرز هذه الخطوات هي:
- أن يركز الخطيب على المفردات التي تقوي خُطبته، فيُشدد على الكلمات المهمة ويخفض من الكلمات غير المهمة، إضافة إلى توظيف المحسنات البديعية واللفظية. أن يُغير الخطيب من طبقات صوته فتتراوح بين الأعلى والأسفل فالعكس، فتبقى متموجة كموج البحر، إذ ترتفع وتنخفض، وذلك يسهم بالتأثير في المستمع وجلب اهتمامه.
- أن يتوقف الخطيب بعد عرض فكرة مهمة، وقبل البدء بعرض فكرة مهمة أخرى، فذلك التوقف يسهم بترسيخ الفكرة في أذهان المستمعين.
- أن يكون أسلوب الخطيب متميزًا عن غيره ومتفرّدًا به، فالأسلوب الجيد أهم من الكلمات في الإلقاء، وذلك يؤكد أهمية الشخصية ومدى نجاحها في التأثير
وأخيرا لابد من التذكير بأهمية فن الخطابة، عندما يكون الخطيب متميزا بثقافته و وعيه وامتلاكه إلى لغة خطابية واضحة، ونبرة صوتية متمكنة، وشخصية متوازنة قادرة على زرع بذور الإقناع في اسماع وقلوب المستمعين له أو الحاضرين لخطبه، فبناء شخصية متكلمة ومقنعة ليس بالأمر الهيّن، لكنه من الممكن أن تُبنى شخصية خطابية متفردة مع الزمن.
اضف تعليق