من آثار الجنوح نحو المادية غياب العدالة والاعتدال والتراحم وامتلاء الأرض بالظلم والجور، وهذا التخادم بينها وبين قيم التخلف، جعل انتشارها أوسع وأسهل، وضررها أكبر على الفرد والمجتمع، لأنها وقيمها الزائفة تفسر وتبرر كل الاعمال العدوانية والعنف والظلم والاستبداد والاستغلال بطريقة تعفي الجلاد من الاثم والذنب ولا تحمله وزر...
ان التحول المتصاعد الى قيم الحياة المادية الاستهلاكية يُفقد الإنسانية اغلب ملكاتها وصفاتها الفكرية والأخلاقية والروحية القائمة على الفضائل الحميدة والفطرة السليمة والمنطق الحكيم، وجعلها تدفع ضريبة مرتفعة التكاليف أدت الى انحدارها المستمر نحو هاوية العنف والاستبداد والفقر والجهل والمرض والتخلف، مثلما خلق هذا التحول ايضاً ازمات كبرى جردت الانسان من قيمته الحقيقية وحولته الى مجرد رقم استهلاكي مادي يتبع القطيع.
من آثار الجنوح نحو المادية غياب العدالة والاعتدال والتراحم وامتلاء الأرض بالظلم والجور، وهذا التخادم بينها وبين قيم التخلف، جعل انتشارها أوسع وأسهل، وضررها أكبر على الفرد والمجتمع، لأنها (المادية) وقيمها الزائفة تفسر وتبرر كل الاعمال العدوانية والعنف والظلم والاستبداد والاستغلال بطريقة تعفي الجلاد من الاثم والذنب ولا تحمله وزر الضحية، فما جرى من ضرر لا يعدوا كونه ضمن نطاق الحركة البيولوجية الطبيعية للإنسان، مثله في ذلك مثل الحيوانات المفترسة التي تعمل بالغرائز وحسب قوانين الطبيعة المادية، وحتى الجوانب العقلية تنظر اليها المادية باعتبارها نتاج مجموعة من التفاعلات المادية فقط (تفاعلات كيميائية في الدماغ والجهاز العصبي).
فالفوضى المادية خلقت المزيد من الفوضى والدمار في كل شيء تقريباً عندما انتجت او اثرت او دفعت في بروز:
1. المذاهب الاقتصادية التي اضرت بحياة الانسان وسلبته أمنه الغذائي ورفاهيته وحياته المعيشية الكريمة، مثلما فرضت عليه الضرائب ونظام السخرة والعبودية، وجعلته مجرد مستهلك يتحكم به الجشع والانانية لعدد محدود من مراكز السلطة والمال.
2. المذاهب الفلسفية التي طبعت الانسان بطابع الشهوة والغرائز والانطوائية والكأبة، ووحدت صفات كل البشر، وجعلت الانسان اسير لمجموعة من التفاعلات الفيزيائية والكيمائية التي تتحكم به، بعد ان جردته من الفطرة والروح وقيم الجمال والأخلاق والايمان.
3. المذاهب السياسية التي بنيت على ان الغاية تبرر الوسيلة بحسب النظرة المادية والتي استباحت من خلالها حرمة الانسان وامتهنت كرامته وحقوقه، وبررت افعالها العنيفة والاجرامية وفق منظور مادي يعطيها الحق للأقوى في احتلال الأراضي واستعمارها ونهب خيراتها، والابادة الجماعية والاستبداد واستعمال العنف واحتكار السلطة والقتل والاغتيال من دون إبداء الندم او الاعتراف بالخطأ لأنها –بزعمهم- أفعال مبررة وتأتي ضمن السياق الطبيعي لمادية الانسان.
4. الفكر الالحادي وانكار وجود الخالق وما شكله من ضياع لهوية الانسان الايمانية والاخلاقية، وهدم للأسس الحقيقية التي يستند عليها في بناءه جوهرة الروحي، من خلال فقدانه للأيمان والسكينة والتناغم بين الحاجات الروحية والحاجات المادية، إضافة الى ما رافقها من هدر واحتقار متعمد للقيم الأخلاقية والثوابت الفطرية، وبالتالي أصبح كل شيء مباح وله ما يبرره.
5. الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية التي روجت الى قيم التحلل والفساد كـ"المثلية" والعلاقات المحرمة والتحرر المطلق من أي قيود، مثلما دعت الى إلغاء وجود الاسرة، وغيرها من القيم الفاسدة التي هدمت الانسان ومسخت كيانه.
ان أولى خطوات النجاح هي معرفة قيمة الانسان وجوهره الحقيقي، وخلق التوزان بين الجوهر الروحي والمظهر المادي، الذي يؤدي في نهاية المطاف الى التكامل والكمال، وهو ما يشير اليه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي بقوله ان: "قيمة الإنسان ترتبط بروحه ونفسه أولاً، لا ببدنه المادي فحسب، والإنسان الجامد يكون حجر عثرة أمام كل انطلاق"، ومعرفة ان النقيض من ذلك، وهو الغوص في وحل الماديات لا يسمو بالإنسان الى مرتبة الرقي والتكامل.
والمطلوب هو خلق الاعتدال والتوازن كما يقول الامام الشيرازي (رحمه الله): "الإنسان موجود ذو بعدين: روح وجسم، عقل وشهوة، فهو مزيج من الروحانيات والجسمانيات، ومن المعنويات والماديات، المعنويات تسمو بالروح وتعرج بالإنسان نحو نيل المحاسن والمكارم، وأداء الحقوق والواجبات، وكسب الأخلاق والآداب، من الحلم والعفو، ولين الجانب وحسن العشرة، وغيرها".
ان قيم الاستهلاك التي تمثل المادية بتفاصيلها أصبحت قيم مستنزفة للإنسان بطبيعتها، لأنها قيم تجرده من المحتوى والمضمون، فهي تضع المجتمعات في دوامة الشراهة التي تستنزف جميع موارده، عبر ترويج المزيد من الأفكار والعادات والقيم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والتي تتناسب وطريقتها في استحصال المزيد من الأرباح والأموال، ومن اجل ذلك تمارس التحكم (المادي والمعنوي) بالشعوب، بخلق حالة من اللايقين والشك لدى نفوس افرادها، لتهديم كل ما يقف امامها من ثوابت التماسك المجتمعي من (اخلاق، عادات، تقاليد، اديان، مدارس، ثقافة، ايمان، فطرة...الخ)، طبعاً بالاستعانة بآلة ضخمة من وسائل الاعلام والأموال وجماعات الضغط والقوة العسكرية والتفوق العلمي والتكنولوجيا.
والخلاصة ان الصراع هو بين قيم الاعتدال والأخلاق والفضائل والتكامل وما تمثله من فطرة لدى الانسان، وبين المادية التي تحاول سلب الانسان لهذه القيم واستبدالها بحالة اللايقين والانكار والالحاد والغرائز لتحويل الانسان لمجرد تابع ومستعبد وان كان حراً، وهو صراع جديد قديم لن ينتهي الا بعودة الانسان الى جذوره وفطرته وجوهره الروحي بعيداً عن كل زيف وتضليل يغلفه بالضياع.
ان الحضارة التي تمثلها المادية هي حضارة خاوية من الداخل وسرعان ما تتساقط اوراقها عند اول اختبار حقيقي تتعرض له، لان الحضارة التي تبقى وتستمر هي الحضارة التي تبنى الانسان (الذي يمثل جوهرها) على القيم والأخلاق والفضائل والايمان والتكامل بين الروح والجسد، وهي الجذور التي تمثل الاساس لاستمرارها وديمومتها، ومهما كانت الحضارة المادية عظيمة وكبيرة ومؤثرة في نظر الاخرين، الا انها سرعان ما تتهاوى وتسقط في النهاية لان جذورها غير حقيقية وهي حضارة بنيت على الوهم والتضليل، اذ ان عناصر قوتها وتقدمها، هي ذاتها عناصر ضعفها وسقوطها.
اضف تعليق