يساهم الحث على تغذية الافراد مفهوم الشورى، وتعويدهم على التشاور في مختلف امورهم، واعتماد الاستشارية كنظام اجتماعي قائم على حفظ الحريات العامة للجميع وصون كرامته الفرد، في التنشئة الصحيحة للفرد ضمن المجتمع، وبالتالي خلق مجتمع خالي من قيود الاستبداد وعقد التفرد التي تؤدي الى خنق المجتمع وسلبه القوة...
تقوم الشورى على المشاركة في الأفكار، وتبادل الآراء، وعدم احتكار الموقف او الاستبداد في الرأي، للوصول الى الأفضل والاكمل من وجهه نظر العقل والمنطق، وهي البوابة الواسعة للتنشئة الذاتية للأفراد بطريقة إيجابية يمكن من خلالها خلق مجتمع يمارس فيه الافراد الاستشارية بصورة صحيحة مع وجود بيئة آمنة تساعد على خلق هذه المفاهيم الأساسية وتنشئتها مع الافراد لتكون جزء من ثقافتهم في الحياة والمجتمع.
ولكي ينجح أي مجتمع في اعتماد الاستشارية (الديمقراطية) كأسلوب للتعايش بين افراده، ينبغي اعتماد الشورى وتطبيقها في كل مناحي الحياة، مهما كان الامر صغيراً او كبيراً، وان تبدأ من حيث التطبيق والممارسة من الفرد والعائلة والمجتمع وصولاً الى اعلى مراتب الحكم والقرار من حيث الأهمية ومدى التأثير العام، لان نتائج استثمار مبدأ الشورى وتطبيقاتها في المجتمع، يمكن اعتبارها كمنظومة وقاية من الانحدار نحو هاوية الاستبداد (الدكتاتورية)، لأنها تجفف منابع التسلط والاستبداد والتفرد بالقرار، وكما المح لها المرجع الراحل الامام السيد الشيرازي: "من أسباب ظهور الديكتاتوريات الموجودة، اليوم، في بلدان المسلمين عدم تطبيق قانون الشورى في الحياة اليومية، الفردية والعائلية".
يساهم الحث على تغذية الافراد مفهوم الشورى، وتعويدهم على التشاور في مختلف امورهم، واعتماد الاستشارية كنظام اجتماعي قائم على حفظ الحريات العامة للجميع وصون كرامته الفرد، في التنشئة الصحيحة للفرد ضمن المجتمع، وبالتالي خلق مجتمع خالي من قيود الاستبداد وعقد التفرد التي تؤدي الى خنق المجتمع وسلبه القوة على الابداع والقدرة على تحقيق متطلبات التنمية والتطور والرفاهية والعيش بسعادة وسلام كمجتمع متماسك وموحد وقوي.
ومن هنا حث الامام الشيرازي (رحمه الله) على تغذية الافراد منذ الصغر على روح الشورى ومفاهيمها لكي يصبح قادراً على التعايش معها وممارستها بإيمان بها في الكبر: "إذا لم يتعود الإنسان من صغره على التشاور في أموره، لم يتمكن أن يلتزم بقانون الشورى فيما يخص الأمة في كبره"، وهي حقيقية ينبغي الاهتمام بتفاصيلها ودقائقها لأنها مسألة مهمة وحيوية.
ويمكن ان نفهم أهمية ان تخلق جيلاً تشكل ونشأ مع ممارسة الاستشارية كجزء من حياته الاعتيادية واليومية في كل مفاصل الحياة من خلال:
1. تحصين الفرد من الوقوع في شرك الاستبداد او أي نزعة نحو الدكتاتورية الفردية، وبالتالي تحصين المجتمع ككل من قبول الاستبداد او الوقوع فيه، وهو من الخطوات الحيوية في تمكين المجتمع من خلال افراده من المحافظة على حقوقه وضمان حرياته الأساسية.
2. ان التنشئة الإيجابية وفق مبدأ الشورى وكل ما يتعلق بها تكون قادرة على خلق افراد مبدعين وذو كفاءة عالية في مختلف المجالات الإبداعية كونهم لم يخضعوا لعقد الاستبداد والتسلط وسلب حقوقهم ومكانتهم التي يستحقونها ضمن المجتمع.
3. المجتمع الاستشاري سيكون مجتمع مرحب بالكفاءات والخبرات، عكس المجتمعات التي تعاني الاستبداد فهي مجتمعات طاردة للكفاءات والخبرات، وبالتالي سينعكس بصورة إيجابية على تطوير ورقي المجتمع واستقراره على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
4. المجتمع الذي يقوم على الاستشارية هو مجتمع له القدرة على انتاج افراد يتمتعون باستقرار نفسي وعائلي واجتماعي كبير، ولهم القدرة على الاندماج في مجتمعهم والمجتمعات الأخرى والتعايش بسلام وتفاهم مع الآخرين، والمساهمة في بناء السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي وتحصينها من النزاعات والصراعات.
5. يمكن اعتبار الفرد في المجتمع الاستشاري "فرد صحي" لا يعاني من عقد او أي قيود مصطنعة يمكن ان تفرض عليه كما الافراد الذين قامت بإنتاجهم المجتمعات الاستبدادية، بل ان هذا "الفرد الصحي" له القدرة على رفض الظلم والوقوف بوجه الاستبداد مهما كان صغيراً ومن أي جهة يصدر.
حسناً، إذا كانت الاستشارية وتغذيتها للأفراد داخل المجتمع لها القدرة على رفع المجتمع الى مستويات عالية من الثقافة والاستقرار والعدالة الاجتماعية وغيرها، فلماذا لا يتم تطبيقها واعتمادها كأسلوب للحياة؟
ان تطبيق الشورى في أي مجتمع يشبه، الى حد ما، أسلوب "السهل الممتنع"، فهي مسألة معروفة بكل تفاصيلها ويمكن تطبيقها، خصوصاً وان لها نتائج ايجابية كبيرة ومهمة في تطوير ورقي أي مجتمع يقوم وفق مبدئها على تربية وتنشئة افراده، لكن، وفي ذات الوقت، يصعب تطبيقها من دون وجود البيئة المناسبة لها، وهي تحتاج الى بذل الجهود الكبيرة لتحقيقها، وكما يشير اليها السيد الشيرازي: "الشورى وإن كانت مسألة معروفة وسهلة التصور، إلا أن تحققها صعب ويحتاج إلى جهود كبيرة".
والخلاصة
ان المعرفة بالأمر شيء والقدرة على تطبيقه شيء اخر تماماً، وقبلهما يأتي الايمان به وبالنتائج التي يمكن تحقيقها في حال النجاح، لذلك يعتمد تطبيق الشورى على قدرة المجتمع في التعاطي مع مفهومه وكيف يمكن خلق افراد قادرين على التعايش وفق مبادئ الاستشارية والتشاور فيما بينهم، سواء كان ذلك ضمن العائلة الواحدة او الجماعة او المجتمع، ولا تستثنى أي جهة او جماعة او منظمة او مؤسسة، حكومية وغير حكومية، من تطبيق الشورى واعتمادها كطريق يسير عليه الجميع للوصول الى أهدافهم المنشودة، وحينئذ يمكن القول ان الشورى نجحت في تنشئة افراد ايجابيين في التعاطي مع محيطهم الاسري والاجتماعي، والتفاعل الإيجابي في خلق بيئة آمنة ومستقرة تنعم بالعطاء والعدالة والاستقرار.
اضف تعليق