الإنسان يحتاج في حياته إلى عملية فهم متواصل، قبل أن يفعل أي شيء، حتى يملأ قلبه بالأشياء الجيدة فخيرها تعني الخير في مقابل الشر، الخير بمعنى كل ما يجعل الإنسان في سعادة وتوازن وانسجام، فـ خيرها أوعاها في القدرة على تحقيق امتلاء القلب امتلاءً معتدلا بالفهم والمعرفة...
(الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً)
نستكمل في هذا المقال البحث في محور المسلم بين الاعتدال والتطرف، حيث نتأمل في معنى الاعتدال في معاني رواية أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث تفتح الآفاق للدخول في عالم الاعتدال، والخروج من عالم التطرف.
فعنه (عليه السلام):
(لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ وَذَلِكَ الْقَلْبُ، وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَاداً مِنْ خِلَافِهَا، فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ وَإِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ وَإِنْ أَفَادَ مَالًا أَطْغَاهُ الْغِنَى وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ وَإِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ وَإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ).
ذكر الإمام (عليه السلام) كلمتين مهمتين جدا هما:
الكلمة الأولى: القلب.
الكلمة الثانية: الحكمة.
القلب هو المكان الذي يمتلئ بكل نتائج سلوكيات الإنسان وما يفكر به وما يشعر به، وما يمارسه من عواطف أو مشاعر إيجابية أو سلبية، فالقلب يتشكل بما يملأه الإنسان، وهناك فرق بين القلب والعقل، لأن العقل ثابت كونه المقياس والمعيار الذي يرجع إليه الإنسان لموازنة الأشياء.
والقلب متغير ومتقلب ومتفاعل مع الخارج فينفعل ويتأثر، فعندما يفكر الإنسان من خلال الرجوع الى عقله، أو لا عقله أي الى شهواته وغرائزه، تتفاعل الانفعالات التي تذهب إلى قلبه فيمتلئ ذلك القلب بما قام به الإنسان.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ) التوبة 125.
القلوب أوعية الأفعال
(لقد عُلّق بنياط...) يعني كل شيء يفعله الإنسان سوف يتعلَّق بهذا القلب ويستقر به، وعن الإمام علي (عليه السلام): (إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا)، أي أنها إناء أو ظرف معين، فالقلب عبارة عن إناء فارغ، فبماذا تملأ هذا الإناء؟
هل تملأه بالشيء الجيد مثل الماء الزلال أم تملأه بالماء المالح، أو بالخمرة –لا سمح الله-، بماذا تملأ هذا الإناء، هل تملأه بالطيب أم بالخبيث، بالصدق أم بالكذب، بالعدل أم بالظلم، بالأمانة أم بالخيانة، فهذه القلوب تمتلئ بما يفعله أصحابها، فخير هذه القلوب أوعاها، أي أكثرها فهما ومعرفة وإدراكا.
بمعنى أن الإنسان يحتاج في حياته إلى عملية فهم وإدراك متواصل، قبل أن يعمل أو يفعل أي شيء، حتى يملأ قلبه بالأشياء الجيدة (فخيرها) تعني خير هذه القلوب من جميع الجهات، الخير في مقابل الشر، الخير بمعنى النجاح، الخير بمعنى التقدم، الخير بمعنى النهضة، الخير بمعنى كل ما يجعل الإنسان في سعادة وتوازن وانسجام، فـ (خيرها أوعاها) في القدرة على تحقيق امتلاء القلب امتلاءً معتدلا بالفهم والمعرفة.
ولكي نوضح مدلول القلب حتى نصل إلى معنى الرواية التي ذكرناها أعلاه، نذكر حديثا آخر عنه (عليه السلام) في (نهج البلاغة): (لَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ) فالقلب يتمرض، كما هي المعدة التي يدخل فيها طعام سيّئ أو رديء أو فاسد تصبح عليلة مريضة غير صحيحة فيشعر الإنسان بالألم في معدته.
اعتلال القلب
فالسبب وراء اعتلال القلب عندما يكون البصر الناقص هو مدخلا للقلب بعيدا عن البصيرة فيصبح مريضا، فتستعمل حسَّك ولا تستعمل حدسكَ، تستعمل عينك ولا تستعمل عقلك، فتفتقد البصيرة. فالبصيرة قبل البصر، لأن البصر وسيلة للبصيرة، لذلك فإن الإنسان الذي يفقد البصيرة وينظر إلى الأشياء بعينه فقط، فإن هذه العين يكون فيها نوع من الغشاوة والحجاب يمنعها عن الرؤية الدقيقة والعميقة.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج 46.
يمكن للإنسان أن ينظر إلى الأمور لكن نظرته قد تكون نظرة سطحية وبسيطة غير فاهمة للأمور التي ينظر لها، فيصبح القلب مريضا بهذه النظرة الناقصة، لذلك على الإنسان أن ينتبه إلى قلبه كي لا يكون عليلا ومريضا من خلال فهم معادلة الفضائل والرذائل.
قسوة القلوب
وعن الإمام علي (عليه السلام) في رواية أخرى: (فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا)، فالقلوب تصبح قاسية، أي ليس فيها مرونة وليونة عندما تمتلئ بالأشياء السيئة، (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة 74، فهذا القلب الذي ليس فيه مرونة وليونة ورحمة، يصبح قاسيا، وعندما يكون القلب قاسيا يصبح أعمى مقفلا.
(فالقلوب قاسية عن حظها)، عن نجاحها، عن نعمتها، عن قدرتها، عن عدم تمكنها من العيش في حياة سعيدة بهناء ورضا واطمئنان واستقرار.
لماذا لاينضج الانسان؟
(لاهية عن رشدها)، هذا القلب القاسي يجعل الإنسان منفعلا انفعاليا متسرعا بالتالي غير متبصر وغير ناضج، والإنسان لابد أن يرشد وينمو وينضج، حتى يتكامل في حياته بمسيرة صحيحة، فتتراكم في قلبه الأشياء الجيدة، وتتناقص الأشياء السيئة حتى يصل إلى مرحلة الرشد، ولكن هذا القلب حين يصبح قاسيا سوف يؤدي بالإنسان إلى السقوط المدوّي، وعدم النضج وعدم التقدم والتطور.
(سالكة في غير مضمارها) أي ليس في الطريق الصحيح أو الطريق الواضح أو الطريق المستقيم، فتكون منحرفة، وعندما تكون هكذا فسوف تمنعه من الوصول إلى الهدف المطلوب منه كإنسان في الحياة، أو حتى لو كان كشخص يبحث عن الاستقرار والسعادة وعن التقدم وعن التطور في حياته.
(كأنَّ المعني سواها) يعني إن المعني بما سيطلبه الإنسان غير هذا الطريق، وإنما يذهب في طريق منحرف، (وكأنّ الرشد في إحراز دنياها) فيتصور الإنسان عندما يكون الحرص على الدنيا حرصا شديدا، ويبحث عن مغانم الدنيا بأي طريقة كانت، حتى لو عن طريق الانحراف، أو بالسرقة، أو بالفساد، كأنه هذا هو الرشد، بينما هذا السلوك ضد الرشد، بل هو قمة التخلف عند الإنسان الذي يسير في هذا الطريق.
احراز الدنيا في عدم احرازها
الرشد والنضج يتحقق في السمو الإنساني، وفي امتلاء القلب بالصالحات، وبالأفكار الخيرة التي تنفع الناس، وبالسلوكيات الجيدة، حين يمتلئ بها هذا القلب، سوف يسترشد ويكون في الطريق الصحيح وفي الجادة الواضحة وفي المضمار اللازم لنجاحه في الحياة، فنيْل النجاح يأتي من النضج، وضياع الإنسان ينتج عن الطموح الأعمى الذي يبحث فيه عن (إحراز الدنيا)، ولا يمكن إحراز الدنيا، حيث لم يستطع أحد أن يحرزها.
الدنيا تبقى غير قابلة للإحراز، حتى أولئك الذين أحرزوا الدنيا سوف تأتي مرحلة السقوط والانحدار والانتكاس، حتى يصبح الإنسان وكأن كل شيء انتهى في حياته، وخسر كل شيء، فهناك نهاية لكل شيء في الدنيا، فالاحراز الحقيقي للدنيا هو في عدم احرازها.
وسطية القلوب والانتصار
وعن الامام علي (عليه السلام) في رواية أخرى:
(فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً).
(والقلوب معتدلة)، علينا أن نفهم موضوع القلب أكثر حتى نصل إلى مفهوم معنى الاعتدال ودوره في تقدّم الأمم، فالانتصار بالاعتدال، حيث يتحقق انتصار الإنسان ونضجه ورشده عن طريق الاعتدال، وعندما يكون القلب معتدلا في طريق الفضائل بين الرجاء والخوف، وبين الجُبْن والتهور فيكون شجاعا، وبين البخل والإسراف فيكون كريما، هذا الإنسان يسير في طريقة صحيحة، لذلك يسمى الطريق المستقيم بالطريق المعتدل، حيث يسير الإنسان في الطريق الوسط لا يميل يمينا ولا يسارا، ويكون وسطيا مستقرا ثابتا في حياته.
فايروسات الطموح الاعمى
هنا نصل إلى أن الانحراف والتطرف في حياة الإنسان، والإفراط والتفريط، يؤدي إلى امتلاء القلب بالفايروسات، وأن الأسباب التي تؤدي إلى امتلاء الإنسان بالفايروسات والتي تسمى بـ الرذائل، هي التي تسبب اعتلال القلب ومرض القلب، بعض الناس –مع الأسف الشديد- يحاولون أن يحوّروا معنى الفايروسات.
مثلا يحاول بعضهم يحاول أن يحوّر فايروس الحرص على الدنيا بعنوان الطموح والغنى، والبحث الأعمى عن الثروة، فيسمي هذا الفايروس بـ الطموح، لكنه هو فايروس الحرص والطمع عند الإنسان، لأن بعض الناس يسلكون لأجل ذلك طريقا منحرفا، وهؤلاء الذين لديهم طموح أعمى يسلكون طريقا أعوجا منحرفا، فيخدع ذاته، ويبرّر لذاته بعنوان (الغاية تبرّر الوسيلة)، فما دام عندك غاية يمكن لك أن تفعل أي شيء وتسلك أي طريق للوصول إلى هذه الغاية.
مقاومة الطمع
لذلك فإن الإمام علي (عليه السلام) يضع لنا طريقا في هذه الرواية، في عملية بناء القلب المعتدل، وفي بناء الاعتدال في نفس في نفس الإنسان وفي تفكير الإنسان، وهو أن نقاوم تلك الفايروسات، وأن نبني ونعالج هذه الفايروسات من خلال معالجات سليمة ووضع وقاية صحيحة لهذه الفايروسات.
فهذه الرواية الأشياء السلبية التي أسميناها بـ الفايروسات سلسلة متواصلة يقود أحدها الى الآخر، (وإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع) حين يكون الرجاء واسعا يصبح الإنسان ذليلا من بالطمع، وهاج به الطمع وأهلكه الحرص، وملكه اليأس وقتله الأسف وعرض له الغضب واشتد به الغيظ، فهذه الرذائل تؤدي إلى امتلاء قلب الإنسان بالسيئات وبالتالي اعتلال القلب ومرضه.
(لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) الحج 53.
سكرة السلطة
(وإن اتّسع له الأمر أستلبته الغرّة)، فمجرد أن يخرج الإنسان من حالة الضيق ويصبح متمكنا ولو قليلا أو متوسطا أو كثيرا ويجلس على كرسي السلطة، وتكون لديه سلطة ولو محدودة، فربما يصبح رئيس قسم معين أو مديرا في مكان ما، أو أي منصب فيه سلطة، فسوف يحدث عنده غرور. ويسكره الغرور ويجعله بالنتيجة طاغية متكبرا معجبا بنفسه، وهذا الغرور يُسقِط الإنسان ويجعله ممتلئا بالسيئات.
(وإن أفاد مالا أطغاه الغنى) فمجرد أن يحصل على المال يتحوَّل إلى طاغية بهذا المال، ويستخدمه في الأمور السيئة، أو يبخل به أو يكتنزه.
(وإن أصابتهُ مصيبة فضحهم الجزع) فيبدأ يولول، يتذمر بمجرد أن يتعرض للابتلاء، بينما الابتلاء هو طريقة وتحدٍّ للإنسان كي يبني نفسه، لذا يجب أن يتعامل الإنسان مع الابتلاء بطريقة الصبر والتعقل، وعندما يكون متعاملا مع الابتلاء بهذه الطريقة، سوف يستطيع أن يحوّل هذا التحدي الذي واجهه إلى فرصة ثمينة في حياته تؤدي إلى رشده ونضجه وتقدمه في الحياة.
(وإن عضته الفاقة شغله البلاء) فيكون مستغرقا في الفاقة والبلاء، ولا يخرج منه، أي لا يواجه هذا التحدي ولا يخرج منه.
(وإن أجهده الجوع قعد به الضعف)، أي يصبح ضعيفا بمجرد أن يتعرض للجوع، ولا يسعى وراء رزقه ولا يسعى وراء عمله.
(وإن أفرط به الشبع كظّته البطنة)، بمعنى يمتلئ بطنه بالطعام، ومن ثم يعاني من التخمة، وتصبح حياته وروحه وعالمه هو أن يرتاد المطاعم، ويأكل ما لذّ وطاب، فيصبح مفرطا في أكل الطعام، ولا يشبع الإنسان ما دام عنده حرص على الطعام واللذة والمتعة.
لأن هذا النوع من الإشباع ليس إشباعا حقيقيا، وإنما هو إشباع وهمي، حيث تتلاشى اللذة سريعا، ويبحث عن لذة أخرى ولا يلتذّ، لأنها متوالية مستمرة من عملية اللذة الفانية، اللذة القصيرة، اللذة التي تنتهي بسرعة، فيصل بالنتيجة (كظته البطنة) فيكون متخما بالطعام دونما لذّة.
الإصلاح بالتوازن والاعتدال
هذه الرذائل تعبير عن اسلوب التطرف من خلال والإفراط والتفريط في حياة الإنسان، فلابدَّ لهذا الإنسان من أن يضع حدًّا في التطرف، ويخلق التوازن في الوسط، لأن (كل تقصير به مضرّ) مثل الإنسان البخيل فإنه لا يستفيد من ماله، لأنه تقصير، ومثل الإنسان الجبان الذي يخاف من الحياة، فهذا النوع من الخوف مضرّ به، ولا يعطيه أية منفعة، فالتقصير مضر به لأنه يجعله ناقصا، وكذلك (كل إفراط له مفسد) وغير مصلح، لأن الإصلاح يأتي بالتوازن والاعتدال.
يخلق الإنسان بالتوازن والاعتدال هذه المعادلة المهمة في حياته، أما الإفراط فيؤدي به إلى الفساد، عندما يذكر الإمام علي (عليه السلام) هذه القضية فهو لا يذكر الوسط، وإنما يذكر الجانبين وهما، الجانب المقصّر، والجانب المفرِط.
على سبيل المثال عندما يتكلم الإمام علي (عليه السلام) عن الجوع والشبع، فإنه يذكر الجانبين ولا يذكر الاعتدال والوسط، لأن قضية الاعتدال واضحة في هذا الأمر.
ولكي يخرج الانسان من هذه المعادلة البائسة، (الإفراط والتفريط)، التي تسقطه في المشكلات والأزمات، عليه أن يأخذ القلب المعتدل، الذي يقوده إلى الطريق الصحيح، من خلال التفكير المتوازن، لأن التفكير المعتدل يأتي نتيجة للمعرفة والوعي والفهم.
إن الإنسان هو الذي يصنع حياته من خياراته، فليكن ولتكن خياراتنا في الحياة قائمة في إطار الاعتدال ونبذ التطرف.
اضف تعليق