وتعد الهجمات الإلكترونية والمراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي من أهم تطور الاستبداد الرقمي ومن خلال التجسس، والبرامج الضارة، وتقييد البيانات الضخمة، واستخدام مجموعة واسعة من الأساليب الجديدة للسيطرة، والسماح للحسابات الآلية الروبوتات على وسائل التواصل الاجتماعي بما ينتج ذلك موجة من المنشورات المشتتة أو المضللة التي تزاحم رسائل الخصوم...
"الحرب هي التحقيق النهائي للتكنولوجيا الحديثة." الروائي الأمريكي دون ديليلو
تعاني الدول البوليسية من قدرتها على البقاء في أعقاب التقدم الواضح للحريات العامة في بعض البلدان، وانتصار إرادة الشعوب إلى حد ما، وفي ظل تغير المعايير العالمية حول ما يشكل نظام أكثر شرعية، بما يشكل تهديدا للأنظمة التي تواجه حركات احتجاجية.
تعدنا التقنيات الجديدة من الإنترنت والهاتف النقال وغير ذلك، بتمكين المواطنين والسماح لهم بوصول أكبر إلى المعلومات وإمكانية إجراء اتصالات جديدة وبناء مجتمعات حرة.
لقد غيّر العصر الرقمي السياق الذي تعمل فيه الأنظمة الاستبدادية، وقلل الحواجز أمام التواصل مما سهل تحدي الحكومات القمعية غير المستجيبة لإرادة الشعوب، لكن الأنظمة والجماعات الديكتاتورية والمستبدة تصر على استخدام التكنولوجيا ليس فقط لقمع الاحتجاجات وتشديد أساليب السيطرة على نشر المحتوى ومضايقة المواقع الإلكترونية من خلال شن هجمات في محاولة لإغلاقها أو حجبها مستخدمة سلطتها ونفوذها.
وتعد الهجمات الإلكترونية والمراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي من أهم تطور الاستبداد الرقمي، من خلال التجسس، والبرامج الضارة، وتقييد البيانات الضخمة، واستخدام مجموعة واسعة من الأساليب الجديدة للسيطرة، والسماح للحسابات الآلية الروبوتات على وسائل التواصل الاجتماعي بما ينتج عن ذلك موجة من المنشورات المشتتة أو المضللة التي تزاحم رسائل الخصوم، لأنها تمتلك تقنيات جديدة وأظهر ذلك أن تلك الأنظمة تعتمد بشكل أكبر على القمع الرقمي من أجل ديمومتها.
مقاييس وبيانات
على الرغم من أن عدد الأنظمة الاستبدادية على مستوى العالم لم يرتفع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لكن مع استمرار هذه الأنظمة لفترة أطول، من المرجح أن يزداد مثيلاتها، حيث تتراجع بعض البلدان عن الحكم الديمقراطي والحر. إذ تُظهر بيانات جمعتها مؤسسة "فريدوم هاوس"، أنه بين عامي 2013 و 2018، على الرغم من وجود ثلاث دول انتقلت من حالة "حرة جزئيا" إلى حالة "حرة"، كان هناك بلدان شهدت العكس، حيث انتقلت من حالة "حرة" إلى حالة "حرة جُزئيا."
من جانب آخر يُظهر تحليل قام به كل من "إيريكا فرانتز" و "أندريا كيندال تايلور" و "جوزيف رايت" في مقالة قمنا بترجمتها وتحت عنوان "كيف تقوي التكنولوجيا الأنظمة الاستبدادية". باستخدام بيانات خاصة بالأنظمة الديمقراطية (التي تغطي 202 دولة) في ظل مشروع خاصة بالتعبئة الجماهيرية بأن الأنظمة الاستبدادية التي تستخدم القمع الرقمي تواجه مخاطر احتجاجات أقل من تلك الأنظمة الاستبدادية التي لا تستخدم الأدوات نفسها.
يرى الباحثون أن القمع الرقمي لا يقلل من احتمالية حدوث احتجاج فحسب، بل يقلل أيضا من فرص مواجهة الحكومات لجهود تعبئة كبيرة ومستمرة، مثل احتجاجات جرت في تايلاند في عام 2010 أو الاحتجاجات المناهضة لمبارك والمناهضة للعسكرية في مصر وفي عام 2011، ويوضح مثال كمبوديا كيف أدت هذه السلوكيات.
الباحثون يرون بأن رغم تراجع حركات الاحتجاج عالميا لكنها نجحت في إسقاط أنظمة سياسية وتحديدا بين عامي 2000 و 2017، وأطاحت الاحتجاجات بعشرات الأنظمة وأخرى فقدت سلطتها عن طريق الانتخابات التي أعقبت ذلك. مثل ذلك تغييراً هاماً في السياسة الاستبدادية وبين عامي 1946 و 2000 حيث أطاحت الانقلابات بحوالي ثلث الأنظمة الاستبدادية، وخلال القرن الأخير أطاحت بأنظمة مشابهة.
وأن الانقلابات أسقطت بحوالي 9٪ من الديكتاتوريات بين عامي 2001 و 2017، بينما أدت الحركات الجماهيرية إلى الإطاحة بحكومات ضعف هذا العدد. بالإضافة إلى الإطاحة بالأنظمة في الربيع العربي وأصبحت الاحتجاجات التحدي الأكبر الذي تواجهه أنظمة القرن الحادي والعشرون الاستبدادية.
استخدام مزدوج
يعزز الذكاء الاصطناعي وغيره من الابتكارات التكنولوجية من قبضة الأنظمة الاستبدادية ويقدم القمع الرقمي رؤية قاتمة لتوسيع سيطرة السلطة باستمرار وتقلص الحرية الفردية بما يؤدي إلى اندلاع موجة من الاستبداد هو أمر مقلق للغاية، لأن أبحاثا تجريبية جديدة تعتبر التقنيات الجديدة خطرة على الديمقراطيات الضعيفة وتستخدم بطريقتين حيث يمكن للتكنولوجيا أن تعزز هيمنة وسيطرة الحكومة وتوفر القدرة على مواجهة التحديات كالجريمة والإرهاب والانتهاكات، لكن الحكومات أيضا قد تستخدم التقنيات التكنولوجية لإسكات وتقييد أنشطة المعرضين.
خلاصة
من المرجح أن ينتج عن التغير التكنولوجي السريع سباق القط والفأر حيث يتسابق المواطنون والكيانات المستقلة ضد الحكومات والجماعات المستبدة للفوز بالسيطرة، وكما تطورت الأنظمة الاستبدادية اليوم لتبني أدوات جديدة، كذلك يجب على الديمقراطيات تطوير أفكار جديدة، ومقاربات جديدة، وقيادة لضمان ألا يصبح وعد التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين نقمة، وان استجابة المجتمعات للتقدم والمعرفة التكنولوجية سيسمح على المدى الطويل للديمقراطيات أن تتنقل بشكل أكثر فعالية في عصر التحول التكنولوجي.
حفاظا على الحريات العامة، يتطلب الأمر معالجة الآثار الضارة للتقنيات الجديدة، وتحديث وتوسيع التشريعات للمساعدة في ضمان عدم تمكين الحكومات والجماعات الخارجة عن القانون من انتهاكات حقوق الإنسان، وتقييد تصدير الأجهزة، وفرض مزيد من العقوبات على الشركات والكيانات التي توفر تكنولوجيا المراقبة أو التدريب أو المعدات للأنظمة الاستبدادية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام أيضا عليها اتخاذ خطوات للحد من الآثار السلبية المحتملة لانتشار تكنولوجيا المراقبة والحظر المستخدم، لا سيما في الديمقراطيات الهشة، وتعزيز الأطر السياسية والقانونية التي تحكم كيفية استخدام التقنيات والتحقق من انتهاكات الحكومات والجماعات غير المنضبطة لحقوق الإنسان.
اضف تعليق