الضغوط المكثفة التي يسلطها بايدن على إيران في الوقت الحاضر فهي سلاح ذو حدين أولهما إثراء كفة الكراهية والامعان في صنع الألم عند الجانب الإيراني الذي زادت معاناته مؤخرا داخلياً وخارجيا، وعقوبة له على مساعدته لروسيا عسكريا، عسى أن يحصل الخلل وتنفجر الأمور نحو تحقيق ارادات أمريكا ومساعيها...
منذ أن قامت الثورة الإسلامية في إيران نشأت معها عقد أمريكية مركبة تجلت بمظاهر حرب باردة أمريكية إيرانية امتدت على متن العقود. اهم هذه العقد المحسوسة هي عقدة الخوف وعقدة الكراهية. عقدة الخوف من ضرر ايران على مصالح وسلامة أمريكا وحلفائها في المنطقة، خصوصا الهواجس المتعلقة بملف إيران النووي. أما عقدة الكراهية فهي ردة فعل أمريكية ضد دولة "مارقة!" لا تطيعها ولا تخشاها وانما تناصبها العداء وتتضارب مع مصالحها.
على أمريكا أن توازن بين مخاوفها وردود أفعالها الناشئة عن عواطفها في التعامل مع إيران. نظرية الموازنة هذه تباينت مظاهرها بتباين السياسيات في امريكا، فسياسات الرئيس الأسبق "باراك أوباما" أولت اهتماما أكثر بتخفيف الهواجس والمضاعفات الناشئة عن نشاطات إيران النووية وذلك من خلال إبرام اتفاقية تكون فيها هذه النشاطات النووية تحت السيطرة والمراقبة وذلك تجنبا لحيازة ايران على السلاح النووي.
غير أن هذه السياسة سرعان ما تبددت بعدما نقض الرئيس السابق "دونالد ترامب" هذا الإتفاق سائرا وراء موجة الكراهية، فراح ساعيا بتشديد الحصار الاقتصادي على إيران من أجل خنقها حتى أنفاسها الأخيرة، ضاربا المخاوف عرض الحائط. أما سياسات الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" في هذا الشأن فقد اتسمت بازدواجية السلوك. فهو يرفع شعار الحوار والتفاوض من أجل الرجوع إلى الاتفاق النووي السابق من جهة، والى إبقاء العقوبات الإقتصادية وترسيخها على إيران من جهة أخرى.
وهكذا فتتسم السياسة الحالية للإدارة الأمريكية بالتعامل مع الملف النووي الايراني بالخواص التالية:
اولا: سياسة كسب الوقت، اتسمت سياسة بايدن في التعامل مع الملف النووي الايراني بالمماطلة من أجل كسب الوقت الذي من خلاله تجني أمريكا فوائد عديدة، منها: خداع إيران باحتمالية توقيع اتفاق نووي مما يجعلها لا تمضي قدما في مشروعها المشكوك فيه في صنع القنبلة النووية، انتظارا لاتفاق ينهي معاناتها بسبب العقوبات من جهة، والإبقاء على العقوبات التي بدأت تنخر في أسس كيان النظام وقابلياته مما يضعف قواه وينهكها من جهة أخرى.
اللعب على عامل الوقت ينذر باحتماليات تصب بالفائدة للأمريكان وتلحق الضرر بالإيرانيين حيث أن طول معاناة الشعب تلهب الشارع وتحفزه على التمرد والثورة وهذا ما نشهده في الشارع الايراني بين الفينة والأخرى. هذه السياسة في ازدواجية سلوك إدارة بايدن برفع شعار التفاوض والاتفاق والعمل على إبقاء الأمور على حالها جعل إيران كالمثل القائل "لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى" وهذا هو الهدف المرجو من هذه السياسة.
ثانيا: كسب رأي جميع الحلفاء، انقسم الرأي بين الحلفاء في طريقة التعامل مع الملف النووي الايراني منذ البداية. فالأوربيون شجعوا الاتفاق وحفزوه ووقعوه وحلفاء أمريكا في المنطقة وخصوصاً "إسرائيل"، خالفوه وعارضوه وتمردوا عليه. في سلوك بايدن المزدوج برفع شعار الاتفاق والتفاوض من جهة ومخالفته بالفعل والغرض والحقيقة من جهة أخرى، برزت علامات الرضا والقناعة عند جميع الحلفاء. أوربا تمضي سعيدة مع مفردات الشعار وأعداء إيران ضمنوا وسائل عرقلة الاتفاق وعدم تحقيقه ومن ثم عدم رفع العقوبات والحصار!
ثالثا: الحرب الروسية الأوكرانية، اتهام إيران بتزويد روسيا بالمسيرات والصواريخ ربما يكون المسمار الأخير في نعش الإتفاق النووي على أقل تقدير في الوقت الحالي. إذ كيف يمكن لأمريكا أن توقع اتفاقا نوويا مع إيران ترفع بموجبه العقوبات الاقتصادية والحصار عنها وهي تصنع السلاح وتزود به أعداءها في ظروف حساسة للغاية وخطيرة!؟.
على قاعدة هذه الأسس وغيرها لا يرى المراقب إمكانية توصل إلى إتفاق نووي بين أمريكا وإيران في الوقت الحالي حتى وان عادت الرسائل والمخاطبات بين الأطراف، خصوصاً إن بقي كل طرف متمسك بموقفه أو إن لم يحصل تنازل كبير من الطرف الإيراني وهذا ما لا يتوقعه المحللون.
أما الضغوط المكثفة التي يسلطها بايدن على إيران في الوقت الحاضر فهي سلاح ذو حدين أولهما إثراء كفة الكراهية والامعان في صنع الألم عند الجانب الإيراني الذي زادت معاناته مؤخرا داخلياً وخارجيا، وعقوبة له على مساعدته لروسيا عسكريا، عسى أن يحصل الخلل وتنفجر الأمور نحو تحقيق ارادات أمريكا ومساعيها في التخلص من هذا النظام.
وثانيهما أن تجعل هذه الضغوط إيران تشعر بقوة الأزمة وشدة الأسى فتتقبل الشروط الأمريكية للاتفاق النووي الجديد "على مضض" وتمضي في التوقيع مكرهة غير راضية.
اضف تعليق