q
كانت سيطرة حكومة هادي رمزية إلى حد كبير، حيث يتم التعامل مع وظائف الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل السعودية والإمارات، اللتين توفران الدعم المالي والعسكري والاعتراف الدولي لهذه السلطة. بدونها، تتلاشى سلطة هادي بسبب عدم وجود دعم كبير لحكومته داخل اليمن. معظم القوات العسكرية...

بعد أن أطاح التحالف السعودي الإماراتي بالحكومة المعترف بها دولياً (عبد ربه منصور هادي)، فقد التحالف السعودي الإماراتي الغطاء الدولي لمواجهة الحوثيين في اليمن. لقد اختار المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية، هادي رئيساً لسبب واحد فقط هو انه يمثل: استمرارية الدستور. وبحسب الدستور اليمني، في غياب الرئيس (صالح) عن المشهد، يتولى نائب الرئيس (هادي) مهامه لمدة 60 يومًا، تجري خلالها الانتخابات.

وبالفعل، تم تعيين هادي رئيسًا للإجراءات الانتقالية، وجاءت رئاسته المؤقتة بعد اتفاق أوسع قائمًا على خطة اقترحها مجلس التعاون الخليجي، ووافق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقبلها الرئيس السابق صالح بعد عودته إلى اليمن في 23 سبتمبر 2011. دعا المجتمع الدولي جميع الأطراف إلى المضي قدمًا بشكل عاجل في عملية انتقال سياسي شاملة ومنظمة بقيادة يمنية، بناءً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي، والتي تلبي احتياجات وتطلعات الشعب اليمني. وأكدوا مجددًا أن جميع المكونات يجب ان تحترم التزاماتها بموجب القانون الدولي المعمول به (بيان صحفي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول الوضع في اليمن، 24- 09- 2011 / SC / 10394).

أثناء وجوده في منصبه، فشل الرئيس هادي في تلبية متطلبات الانتقال السلمي، ويرجع ذلك أساسًا إلى جهوده لتبني الإجراءات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي. علاوة على ذلك، اختار الرئيس هادي عدم مواجهة الحوثيين، بل تقاسم السلطة معهم. في هذا الصدد، تم توقيع اتفاقية السلم والشراكة الوطنية مع الحوثيين لتشكيل حكومة جديدة أكثر تمثيلا. في سبتمبر 2014، تقدم الحوثيون بسرعة إلى صنعاء وسيطروا عليها. بعدها وجدت صنعاء نفسها في وضع هجين لسلطة الدولة المشتركة. حافظ الحوثيون على سيطرتهم العسكرية على العاصمة ومناطق أخرى في اليمن. خلال هذه الفترة، قدم الرئيس هادي استقالته رسميًا في 22 يناير 2015، لكن البرلمان رفض قبول استقالته. واقترح الحوثيون، الذين رحبوا بالاستقالة، تشكيل مجلس رئاسي، لكن بعد نحو شهر من استقالته هرب هادي إلى عدن وسحب استقالته، معتبراً أن جميع الخطوات التي اتخذها الحوثيون كانت غير قانونية. رد الحوثيون بمزيد من التقدم العسكري إلى الجنوب (عدن)، والتي فر منها هادي في النهاية إلى السعودية.

قبل حوالي ثلاثة أيام من فراره إلى السعودية، طلب من دول مجلس التعاون الخليجي التدخل في اليمن للمساعدة في استعادة سلطته وإعاقة تقدم الحوثيين. بعد يومين، وقبل يوم واحد من مغادرته إلى السعودية، خاطب مجلس الأمن برسالة مماثلة. كان الرد السعودي الإيجابي سريعًا، وبدأت الضربات الجوية السعودية على عدد من الأهداف في اليمن في أواخر مارس 2015. ويضم التحالف السعودي جميع دول مجلس التعاون الخليجي -باستثناء عمان- بالإضافة إلى دول أخرى والدعم اللوجستي من الولايات المتحدة. نجح التدخل العسكري في طرد الحوثيين من عدن، وعاد الرئيس هادي إلى عدن بعد ستة أشهر -في نهاية عام 2015- ومع ذلك، لم ينجح التدخل العسكري مما أدى في النهاية إلى مأزق عسكري وهروب هادي مرة اخرى الى السعودية.

الرئيس هادي لديه سيطرة ضئيلة أو تكاد تكون معدومة على الأراضي اليمنية. من وجهة نظر عسكرية وسياسية وأخلاقية، يجب حرمانه من الشرعية لأنه لم يكن لديه سيطرة فعلية على السكان والأراضي. عندما وافق هادي على تدخل القوات الأجنبية في اليمن، كان وضعه مختلفًا عن وضع الرئيس بشار الأسد، الذي حافظ على سيطرته على العاصمة وجزء من سوريا طوال الحرب، والذي -بعد التدخل الروسي التوافقي- تمكن من كسب المزيد من الأرض.

ما حدث مع هادي كان عكس ما حدث في سوريا (لذلك هناك عدة اسئلة حول التدخل العسكري في اليمن): قبلت دول الجوار والمجتمع الدولي طلب هادي بالتدخل عسكريًا واستعادة سلطته، معتقدين أن هادي يمتلك الشرعية اللازمة. لذلك، بدأ التحالف بقيادة السعودية في شن غارات على اليمن، ونتيجة لذلك، تغير عنوان حكومة هادي من "الحكومة الشرعية لليمن" إلى "الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا"، التي وفرت للسعودية والإمارات غطاء دوليا يبرر عدوانها وحصارها وإبادة اليمنيين بحجة مواجهة الحوثيين واستعادة شرعية الرئيس هادي وحكومته التي أطاح بها الحوثيون.

لا يشكل رحيل هادي منعطفاً رئيسياً في الحرب في اليمن: فقد اختار المجتمع الدولي هادي رئيساً لسبب واحد فقط، وهو استمرار العملية الدستورية. وبحسب الدستور، في غياب الرئيس (صالح)، يتولى نائب الرئيس (هادي) مهامه لمدة 60 يومًا، تجري خلالها الانتخابات. هادي رئيس مؤقت فقط، رئيس انتقالي لمدة عامين لا أكثر. لهذا السبب احتوى الاستفتاء الشعبي الذي جرى على اسمه فقط، مع عدم وجود إمكانية للتصويت بـ ( لا ). انتخب رئيسًا ومُددت رئاسة هادي للعام الثالث في فبراير 2014. بعد فشل الصفقة السياسية واندلاع الحرب، ظل الرئيس الفعلي حتى إقالته بأوامر من الرياض وأبو ظبي في 7 نوفمبر 2022.

مستقبل الشرعية في اليمن معدومة

إن معالجة قضية الشرعية بعد هادي ونقل سلطته إلى خليفته لتجنب الفراغ الرئاسي أمر غير عملي في ظل الصراع الدائر. جاء هادي إلى السلطة بعد أحداث معقدة: اتفاق سياسي وقواعد دستورية واستفتاء عام. لن يكون خلف هادي، مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، نفس المؤهلات. مسألة الشرعية، حتى نفهمها بشكل صحيح، لا علاقة لها ببقاء هادي أو إزاحته. لم يُمنح هادي شيكا على بياض ليبقى رئيسا إلى أجل غير مسمى دون أي مساءلة بحجة الحرب. فشل هادي في إدارة الدولة، والإصرار على شرعيته وتجاهل القضايا القانونية هذا خطأ، فهو يدق المسمار الأخير في نعش شرعية الحكومة بشكل عام.

تثير إقالة هادي العديد من الأسئلة حول الشرعية الرئاسية وشرعية التدخل العسكري و شرعية "الحرب على الإرهاب" ضد اليمن التي بدأت في عام 2015، لكن هذا موضوع آخر. الشرعية هي أساس أي نظام سياسي وهي تسمح للمؤسسات الحكومية من الحكم وإنفاذ القانون وأن يكون لها ممثل في الأمم المتحدة.

نتيجة العدوان والحصار غير المشروعين في اليمن

بعد ثماني سنوات من اندلاع الحرب في اليمن في 26 مارس 2015، لم يتم العثور على حل للواقع العسكري والسياسي المعقد. هدفت الحرب منذ البداية إلى هزيمة الحوثيين. فشل التحالف لعدة عوامل أهمها: وجود قيادة مركزية للحوثيين وعقيدة صلبة تقوم على المذهب الزيدي. لديهم قوة عسكرية تقدر بـ 100000 مقاتل، والمعروفة باسم اللجان الشعبية. لديهم أيضًا ما لا يقل عن عشرات الآلاف من الهاشميين (يُقدر أحفاد النبي محمد - الهاشميين بنحو 4.2٪ من السكان) مستعدين للتضحية بأرواحهم. بالإضافة الى سيطرتهم على المؤسسات العسكرية السابقة وأجهزة أمن الدولة.

الأهم، يعتمد الحوثيون على مصادر تمويل محلية بسبب سيطرتهم على مؤسسات الدولة والدعم الإيراني، خاصة العسكري، والذي لم يتضح نطاقه. أما "حكومة اليمن المعترف بها دوليًا"، فقد عاشت في المنفى في السعودية من عام 2015 حتى سقوطها في 7 نوفمبر 2022. وتسيطر حكومة هادي اسميًا على 20٪ من السكان بينما يسيطر الحوثيون فعليًا على 80٪ من السكان. ومع ذلك، كانت سيطرة حكومة هادي رمزية إلى حد كبير، حيث يتم التعامل مع وظائف الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل السعودية والإمارات، اللتين توفران الدعم المالي والعسكري والاعتراف الدولي لهذه السلطة. بدونها، تتلاشى سلطة هادي بسبب عدم وجود دعم كبير لحكومته داخل اليمن. معظم القوات العسكرية التي تقاتل اسميا تحت مظلته انضمت عمليا إلى الأحزاب السياسية واللاعبين الآخرين، ولهم أجنداتهم الخاصة.

بعد سقوط الرئيس هادي وإقالة "الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً"، تنهار شرعية التدخل العسكري في اليمن. أي تدخل عسكري أو حصار لليمن يعتبر الآن عدواناً. أما ما يسمى (مجلس القيادة الرئاسي)، الذراع السعودية، أو حكومة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذراع الإماراتية، فكلاهما يفتقر إلى الشرعية الدستورية والدولية. وبحسب إيان براونلي، فإن دولة الدكتور رشاد العليمي أو دولة عيدروس الزبيدي غير شرعية، فكلاهما يخضع للسيطرة الأجنبية (الرياض وأبو ظبي)، وبالتالي إنهم يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ قرارات مهمة بشأن القضايا السيادية والسياسية رفيعة المستوى في الكيان (المنطقة) التي يدعون السيطرة عليها. لذلك فإن حكوماتهم غير فعالة وفقًا لمبادئ القانون الدولي العام وغير شرعية.

كشفت حرب الثماني سنوات في اليمن المواقف الخطيرة والضعيفة للأمم المتحدة: أولاً خلال عدوان التحالف السعودي الإماراتي في مارس 2015، وثانيًا، في صمتها المخزي وتواطؤها عندما أنهى دور "الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً". وأخيراً، في فشلها في وقف العدوان الإماراتي السعودي الهمجي واستمرار الحصار على اليمن حتى الآن. وهذا يكشف عن عدم مصداقية الأمم المتحدة وكذب ادعائها بأنها منظمة تحافظ على السلم والأمن الدوليين. وهكذا، فإن الحرب في اليمن لم تظهر فقط الضعف الأساسي للأمم المتحدة في مواجهة العدوان والحصار المدعوم من أعضاء في مجلس الأمن، بل كشفت أيضًا عن بعض نقاط القوة المتبقية.

هنا يمكن للأمم المتحدة أن توقف الحرب والحصار التي يشارك فيها أعضاء المجلس بإصدار قرار آخر بتجريم الحرب والحصار على اليمن، كما شرّع عام 2015 هذا يوفر مساحة جيدة لدعم مبادئ القانون الدولي والحفاظ على السلم والأمن الدوليين..

* كاتب ومحلل سياسي يمني

اضف تعليق