بعد الاخبار الأخيرة التي تفيد بتعيين فلانا مستشارا للوزارة سين، وآخر وكيل للوزارة صاد، ومن يطلع على تاريخ هذه الشخصيات المعينة، لا يحتاج الى معرفة أسباب تأخر تشكيل الحكومة الحالية والمعارك الضارية التي دارت بين الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية، وانتهت بحصد النتائج المنتظرة من الحرب الطاحنة طيلة الأشهر الماضية...
بعد الاخبار الأخيرة التي تفيد بتعيين فلانا مستشارا للوزارة سين، وآخر وكيل للوزارة صاد، ومن يطلع على تاريخ هذه الشخصيات المعينة، لا يحتاج الى معرفة أسباب تأخر تشكيل الحكومة الحالية والمعارك الضارية التي دارت بين الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية، وانتهت بحصد النتائج المنتظرة من الحرب الطاحنة طيلة الأشهر الماضية.
لو نظرنا بعين الإطار التنسيقي بعيدا عن عيون المواطنين الراغبين بدولة قوية وحكومة مستقلة، لقلنا ان الحرب السابقة هي حرب مشروعة، وتأتي الشرعية من النتائج المترتبة على ذلك، ومن أخطر هذه النتائج هو إعادة تأهيل لمرافق الدولة العميقة التي وضعت أسسها ابان حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
والأشد خطورة من ذلك هو ان رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني قال في كلمته الرسمية بعد تكليفه برئاسة الحكومة الحالية ما معناه، ان الحكومة الحالية ليس لديها غايات او عداوات مع أي جهة، وان هدفها الوحيد هو تقويم الأخطاء ومحاسبة المقصرين في خدمة العراقيين، وفي ذلك ردا على القول القائل ان حكومة السوداني جاءت للتصفية الحزبية وليس للخدمة الاجتماعية.
في الايام الأولى يمكن ان يكون هذا الكلام هو جزء من حرب مبكرة تشنها الأحزاب الرافضة لاختيار السوداني لرئاسة الحكومة، اما في الوقت الحالي، نجدها محقه في بعض ادعائها، وقد كانت هذه الأحزاب تقول ان الغرض الأساس من العناد الطويل الأمد، هو لزيادة المغانم وحصد كمية كبيرة من المكتسبات، وبالتالي لا يختلف الحال بالنسبة للطرق السابقة في اختيار الشخصيات التي ستدير دفة الدولة.
نأخذ على سبيل المثال اختيار بعض الشخصيات لشغل مناصب حساسة في الوزارات، كمستشار للوزير او وكيله، إضافة الى منصب مدير عام، فقد كان هذا التنصيب معتمدا على الحصص الحزبية المفروضة على رئيس الحكومة، اذ لوحظ في اللقاء الأخير للزعيم، (كما يسمى)، انه المتحكم الأول والأخير في الحكومة الحالية، وكأن السوداني هو الجندي الذي يدافع عن حقوق القوى التي رشحته ووقفت خلفه لحين التصويت عليه في البرلمان.
شخصية المستشار وطريقة اختيارها بهذه السهولة تنم عن انها منصب تشريفي لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة للوزارة او الدائرة المعينة، وفي الحقيقة هي ليست هكذا، المستشار يعني انه الشخص المساهم وبشكل كبير في رسم السياسية العامة للوزارة، وانه الشخص الذي يقدم النصح للوزير ويمنعه من الوقوع في الخطأ او اتخاذ القرارات غير المناسبة او في التوقيت غير الدقيق.
وعندما يتم اختيار مستشار او شخص غير مؤهل لشغل هذا المنصب، لا ستتغرب الجماهير من الكوارث التي تحدث في عموم الوزارات العراقية، فمن ينصب مستشارا بغير اختصاصه وليس لديه الخبرة الكافية في مجال عمله، بالتالي ستكون قرارات هذه الشخصية غير محسوبة ولا تمنح الوزير الرؤية الشاملة للتعامل مع متطلبات المرحلة.
التراجع الملموس في أداء الوزارات العراقية عائد وبصورة مباشر الى تأثير المحاصصة الحزبية التي تفرض على الوزير مستشاريه ووكلاءه وغيرهم ممن لا يجيدون العمل المؤسساتي، وليس لديهم أدنى مستوى من الخبرات في المجالات التي تم اختيارهم لإدارتها.
مثل هذا الاختيار العشوائي صحيح انه يلبي رغبة وطموح الحزب الذي يتبنى هذه الشخصيات ويقف وراءها، لكنه يقضي على روح العمل والنهوض بواقع المؤسسات الحكومية، ومن السهل ملاحظة التراجع الكبير والخطير لعمل دوائر الدولة، بسبب الاختيارات الخاطئة منذ بدايتها.
الزيارات الأولية التي اجراءها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تفيد ان الحكومة الحالية ستكون مختلفة عن الحكومات السابقة، ومن يطّلع على الواقع من نافذة المحاصصة وتوزيع المناصب بين الشركاء، يجدها حكومة خاوية منذ انطلاقها الاولي، وبالنهاية لا يمكن انتظار احداث الفارق على يدها، طالما خضعت للمعاير السابقة في اختيار من يسهم بالعمل معها.
لم ينته بعد موسم حصاد الكتل السياسية ولا تزال تجني المناصب والدرجات الخاصة، ويبقى الحديث عن الخير قادم، هواء في شبك، ويبقى الحديث عن الإصلاح الحقيقي، غير قابل للتصديق ولا يندرج ضمن المنطق، وبذلك يكون الإصلاح المزعوم عبارة عن اصلاح وهمي، نابع من اعتقاد الحكومة الحالية بانها قادرة على تحقيق الطفرة النوعية والانتقال الى منطقة أخرى تعمل فيها بعيدا عن التأثير والضغط الدائمين.
اضف تعليق