q
مخلفات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة وازدياد معدلات التضخم والقلق المستمر من مضاعفات الحرب ومخلفاتها، اشغلت الغرب والشرق وجعلتهم يتناسون الثانويات ويهتمون بالأولويات. هذا قد يخلق فرصة في تخفيف الضغوط الخارجية المسلطة جراء لعبة جر الحبل في الساحة العراقية بين الأطراف الخارجية المتنازعة...

تنبعث حكومة السيد السوداني في ظروف دولية وإقليمية استثنائية خاصة قد تمكن السياسي المحنك في أن ينتقي من آثارها ما يكمن من فوائد عرضية لصالحه.

مخلفات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة وازدياد معدلات التضخم والقلق المستمر من مضاعفات الحرب ومخلفاتها، اشغلت الغرب والشرق وجعلتهم يتناسون الثانويات ويهتمون بالأولويات. هذا قد يخلق فرصة في تخفيف الضغوط الخارجية المسلطة جراء لعبة جر الحبل في الساحة العراقية بين الأطراف الخارجية المتنازعة فيما بينها والمهتمة في مصالحها في هذا البلد.

هذا الانشغال وان كان بشكل جزئي قد يفتح الباب أمام الحكومة العراقية الجديدة في أن تشعر بحرية الحركة والمناورة في هذا الجو المتوتر عالميا والذي أثر قطعا على الوضع في دول جوار العراق مما جعل هذه الدول أكثر اهتماماً بأحوالها الداخلية.

ايران منشغلة بالاضطرابات الداخلية وتعثر ملفها النووي، وتركيا تعاني من هبوط ليرتها وتستعد لتحضير نفسها أمام انتخابات مصيرية قادمة، ودول الخليج التي فترت علاقتها بأمريكا بسبب المطالب الثقيلة التي تطلبها منها، كل هذه الأمور تجعل المتغيرات في العراق ثانوية أمام الدول المعنية بالشأن العراقي. هذه الحالة الإيجابية يجب أن تستغلها الحكومة لصالحها في بناء ستراتيجيتها، كما ويجب أن تستغل ارتفاع أسعار النفط في بناء البنية التحتية المحطمة.

لم يأت السيد السوداني إلى سدة الحكم في العراق على أرض منبسطة خالية من المطبات والحفر كي تجري فيها عربة الحكم دون هزات ومصدات، إنما ستواجهه تحديات كبيرة لا تجعل من ينوي الإصلاح والتغيير يستطيع أن يمضي قدما كما يشاء وينبغي.

من هذه التحديات المعروفة سلفا والتي يصلح التذكير بها ما يلي:

اولا: الوضع السياسي الموروث، التشتت السياسي داخل المنظومة السياسية العراقية المنبثق عن تباين الولاءات الداخلية والخارجية والقائم على أسس التقسيم العرقي والطائفي، يعتبر حجرة عثرة أمام الإصلاح والتغيير حيث لا يسمح للعمل الناجع أن يمضي قدما في بلد تتقاسمه السلطات المتباينة والمتربصة بعضها ببعض.

هذا التشرذم السياسي غذته جهات خارجية من دول جارة وغير جارة تنظر لمصالحها وتتنازع مع بعضها بالنيابة. فهل يستطيع رئيس الحكومة الجديد إدارة التوافق وخلق الموازنة في إرضاء الجميع في داخل العراق وخارجه أم أنه سيرضي طرفا ويغضب طرفا اخر ويحصل الخلل!؟. امتحان عسير عليه اجتيازه.

ثانياً: بناء البنية التحتية المحطمة، لم يصلح التغيير ومن خلال الحكومات العراقية المتعاقبة البنية التحتية المحطمة في العراق. بناء هذه البنية التحتية المنسية تحدي كبير للمسؤول الجديد في ظل ازدياد موارد العراق المالية جراء ارتفاع أسعار النفط. البناء الرائد يستدعي وجود كفاءات حقيقية وخبرة رائدة في كل المجالات، كما يستدعي الإيمان والنزاهة والصدق والوفاء.

هذه الصفات يجب أن تتوفر لدى صناع القرار اولا لأن من يختار الكفاءات يجب أن يكون كفوءا اولا ومن يختار الصادقين والاوفياء يجب أن يكون صادقا وفيا اولا ومن يبحث عن النزاهة يجب أن يكون قدوة فيها. فمن هم هؤلاء الأكفاء الأوفياء، هل لهم وجود في الحكومة الجديدة، وهل سنراهم قبل يوم الطوفان!؟.

ثالثاً: مكافحة الفساد، استشرى الفساد في شرايين مؤسسات الدولة ومناصاتها منذ أن أعلنت الديمقراطية في العراق، حتى أصبحت الرشوة والسرقة للمال العام والابتزاز أمور طبيعية يمارسها المتسلط على الحال والمال. تنظيف مرافق الدولة من هذه الممارسات الشاذة أصبح أمرا مركزيا وملحا بعد اذ قفز العراق في السلم المافيوي إلى عتبات متقدمة بين دول العالم! فهل في اجندات السيد السوداني وسائل لمكافحة هذا الوباء المنتشر والسرطان القاتل!؟.

رابعا: اصلاح الذات، اولى علامات الخلاص من الشر هو النجاح في إصلاح الذات، فهل المسؤول الجديد يجعلنا نشهد إصلاحات داخلية ملموسة واضحة تضع اليد على منطقة الألم وتعالج الداء بالتي كانت هي الداء!؟ ان حصل هذا فإنه فاتحة خير وبركة ومؤشر صحيح وواعد. امارات الصحوة هذه تبدو من خلال الكشف عن الفاسدين ومعاقبتهم، وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، تنشيط قطاعات الدولة الفاعلة من زراعة وصناعة وتنمية وتوفير فرص العمل وتخفيف البطالة، محاربة الجهل ونشر الثقافة والمعرفة والتوعية، البدء في بناء البنى التحتية الضرورية، الاهتمام في الإصلاح الإجتماعي والصحي والنفسي للمواطنين، انتهاج أسلوب الوسطية في التفكير والتصرف مع الأطراف المتباينة، خلق علاقات متوازنة مع دول الجوار والدول صاحبة الشأن. اصلاح الذات سيغلق الباب أمام العابثين من الداخل والخارج.

"ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها (مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية) في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (الموقف الدولي والاقليمي من حكومة السيد السوداني في ظل التحديات والفرص الراهنة)

اضف تعليق


التعليقات

العكام
بلجيكا
تشخيص دقيق وأهداف استراتيجية غاية في الوضوح، ولكن هذه الوزارة بمجلسها وبرءيس مجلسها.وبرءسها الخفي..بعيدة عن ادراك المرحلة..كما أن هذه الأهداف الاستراتيجية ليست من اهتماماته.. وحسب تصريح السوداني أن الاهتمام ينصب على زيادة ضخ النفط وصولا إلى تسعة ملايين برميل يوميا..وطبيعي تدخل أموال بيع النفط من الباب لتخرج من الشباك.والزيادة في إستخدام النفط تأتي وفق الاستراتيجية الأمريكية لتطويق الصادرات النفطية الروسية ..هذا رأي وشكرا2022-11-15