سؤالي المركزي هو: هل نحن مجتمع ديمقراطي أم مجتمع شرقي تسلطي؟ هل العراقي كفرد يمارس حياة حرة في أسرته ومدرسته وجامعته ووظيفته وعلاقاته الاجتماعية، أم العكس حياته مليئة بالقيود بأنواعها؟ الحرية أساس الديمقراطية، هل نمارسها، أم نمارس التسلط في سلوكياتنا اليومية؟...
كتب الفيلسوف اليوناني افلاطون إحدى روائعه الفلسفية وهي قصة تحكي عن مجموعة من الرجال المساجين في كهف مظلم ومقيدين بالأغلال منذ نعومة أظفارهم، جدار الكهف أمامهم ومدخله خلفهم بحيث لا يرون إلا الحائط أو ما ينعكس عليه من ظلال الأجسام الموجودة في الخارج.
في مدخل الكهف هناك مسرح لا يرونه، وتوجد فوق هذا المسرح نار خافتة هي مصدر الإضاءة الوحيد في الكهف، أمام النار حراس يمرون وهم يحملون تماثيل ونماذج لأشياء مختلفة كالحيوانات وجذوع الأشجار وغيرها.
يرى المساجين ظلال التماثيل على الجدار القائم أمامهم، أحياناً يُصدر الحراس أصواتاً فيعتقد المساجين أن الظلال هي التي تصدر الأصوات، فيكون الشغل الشاغل للمساجين هو تفسير ما تقوم به الظلال حسب اعتقادهم، وقد يتبارون فيما بينهم في التفسير ومن هو صاحب أفضل تفسير.
يقرر أحد المساجين كسر قيوده والخروج من الكهف ليرى الحقيقة بعينيه، يبدأ النظر إلى النار الخافتة بصعوبة، فهو معتاد على الظلام وعيناه لا تتحملات أبسط مصادر الضوء، ينظر لظلال الأشياء أولاً، ثم يشاهد مصدر الظل، بعدها ينظر إلى الشمس ليتأكد أنها مصدر الضوء الأساسي لكل شيء.
يكتشف السجين المحرر أن ما كان يراه مجرد ظلال للأشياء، وأن حواسه كانت تخدعه، يعود إلى رفاقه ليروي لهم الحقيقية التي شاهدها بعينيه، لكنهم يرفضون ما يقوله، ويواجهونه بالسخرية ويقولون إن شدة الضوء قد جعلت عينيك غير قادرتين على الرؤية.
غاية القصة
يريد افلاطون أن يشير إلى ضرورة عدم العيش في الأوهام التي تم تلقيننا إياها منذ الطفولة أو فرضها علينا المجتمع بالعاداة والتقاليد والقوانين، واكتشاف حقيقة الأشياء يتم من خلال رؤيتها كما هي لا كما تم تلقيننا إياها، فالناس عبيد لحواسهم رغم أن ما يدركونه من صور وأشياء إلا إحساس زائف بالمعرفة، أما المعرفة الحقيقية فتتمثل بالتقصي عن أصل الأشياء عبر مشاهدتها كما هي لا كما توهمنا حواسنا ومجتمعنا.
أما أنا فلا أريد الغوص أكثر في التفاصيل الفلسفية للقصة، بل محاولة مني لإسقاطها على واقعنا الراهن، فقد يكون اعتقادنا بأننا مجتمع حديث مجرد اعتقاد زائف، وقد نهبط إلى نفس الحال التي عاشها رجال الكهف؟
قد يكون نظامنا الاجتماعي الحالي برمته مجرد تمثال يمرره الحراس من أمام نار خافتة فينعكس على شكل ظل فوق الجدار الذي لا نرى سواه، والأصوات التي نسمعها هي أصوات الحراس لا أصوات النظام.
من يقول إننا نملك نظاماً أصلاً لكي نحاول إصلاحه؟ هل لأننا كبرنا مع هذا الاحساس الزائف بالنظام؟
قد نطرح مثل هذه الأسئلة ونقدم لها إجابات سطحية، وقد يعرف بعضنا الإجابة الحقيقية، فهناك من يستطيع التمييز بين التمثال الذي يراه على الجدار والحقيقة الموجودة في الفضاء الكبير، لكنه يخشى طرح الأسئلة الصحيحة.
وقد يكون غريباً الحديث عن احساس زائف بوجود مجتمع عراقي ونحن نعيش في عصر التكنلوجيا، فعندما يستطيع أي انسان الحصول على المعلومات بنقرة زر على هاتفه الذكي، يصعب التطرق لقصة كهف ومساجين، لكن هذا هو مفتاح القصة وبداية تزييف الواقع العراقي.
إذا كان تجميع الأشياء المادية المتطورة والبناء على الطراز الحديث وتشريع القوانين دليلاً على وجود مجتمع حي، لماذا لا نزال عالقين في دوامة من المشكلات التي لا نهاية لها؟
ما هي الأسس التي بني عليها المجتمع العراقي؟ وهل لدينا مشكلات في التأسيس؟
هل الأسس التي يقوم عليها المجتمع حقيقية أم زائفة؟
عاداتنا، تقاليدنا، قيمنا الدينية، قيمنا الأخلاقية، الروابط الأسرية، الروابط القانونية، النظام التربوي، النظام الاقتصادي، النظام السياسي، نظامنا القضائي، طرق التقييم والمحاسبة، علاقاتنا الاجتماعية وكل سلوكياتنا وتعاملنا مع الأحداث اليومية، انتقاداتنا للنظام السياسي عبر وسائل النشر وحقيقة سلوكنا تجاه النظام نفسه، هل هي حقيقية أم زائفة؟
وسؤالي المركزي هو: هل نحن مجتمع ديمقراطي أم مجتمع شرقي تسلطي؟
هل العراقي كفرد يمارس حياة حرة في أسرته ومدرسته وجامعته ووظيفته وعلاقاته الاجتماعية، أم العكس حياته مليئة بالقيود بأنواعها؟
الحرية أساس الديمقراطية، هل نمارسها، أم نمارس التسلط في سلوكياتنا اليومية؟
اضف تعليق