ان بإمكان رئيس الوزراء ان يضع منهاجا وزاريا يتضمن ثلاث حزم من المهام، عاجلة ومتوسطة وبعيدة. لكن المهم ان تحكم هذه الحزم الثلاث رؤية موحدة هي نموذج الدولة الحضارية الحديثة التي ستشكل البوصلة التي تسترشد بها الحكومة، بحيث تكون اجراءات المهام العاجلة والمتوسطة والبعيدة خطوات محسوبة نحو نموذج الدولة الحضارية الحديثة...
لا اخفي القراء الاعزاء حقيقة انني فرحت بانتهاء حقبة حكومة الكاظمي. لكن هذا لا يعني التفاؤل الحتمي بالحكومة الجديدة، لان اسباب الفرح ليست هي نفسها اسباب التفاؤل. وحتى نتفاءل فيجب ان تتوفر الاسباب الخاصة بالتفاؤل. ومعيار التفاؤل عندي هو نفس المعيار الذي جعلني ارفض حكومة الكاظمي وهو القدرة على وضع العراق في الطريق المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة.
يعاني العراق من التخلف الحضاري ومن تسلط الدولة السلطانية منذ عقود، واية حكومة جديدة لا ينطلق منهاجها الوزاري من وعي هذه الحقيقة، ومن السعي لمعالجتها، فأنها ستكون جزءً من المشكلة وليست جزءً من الحل. قلت هذا بالنص عن حكومة الكاظمي، حيث كتبت في الاول من شهر تشرين الثاني من عام ٢٠٢٠: "ان اي بديل يأتي بعد فشل تاريخي يفترض ان يكون قادرا ومؤهلا لان يخطو بالبلد خطوة نوعية ملموسة الى الامام، والامام هو بناء الدولة على اسس حضارية حديثة.
وكما انطبق هذا على الطبقة السياسية التي تولت زمام الامور بعد سقوط نظام صدام المتخلف لمدة ١٧ سنة، فان الامر ذاته ينطبق على حكومة الكاظمي، المعلنة والمخفية، حيث لا تمثل هذه الحكومة امكانيةً لحل المشكلة الاساسية التي يعاني منها العراق، وهي الخلل في المركب الحضاري للمجتمع العراقي ومنظومة القيم الحافة به.
ويتضح ذلك من اجراءات الكاظمي حتى الان، وخطبه، وبرنامجه الحكومي، وورقته البيضاء. ان الرجل وحكومته بنوعيها لا يملك المؤهلات العلمية والمعرفية والقيادية لاخراج العراق من حالة التخلف الغارق فيها منذ اكثر من ١٠٠ سنة.
وبالتالي، فان وصوله المريب الى قمة السلطة في العراق لا يمثل انجازا حضاريا الى امام، ولا يمثل خطوة صوب نموذج الدولة الحضارية الحديثة. بل انه في نفس المستوى الحضاري المنخفض الذي مثلته الطبقة السياسية الراهنة، بل هو في مستوى أكثر هبوطا. انه جزء من مشكلة التخلف الحضاري، ولا يمكن ان يكون جزءً من مشروع النهوض الحضاري الذي تبشر به الدولة الحضارية الحديثة."
اعلم ان العمر الافتراضي لحكومة السوداني المزمعة سيكون بحدود الثلاث سنوات، وهي فترة قصيرة بالقياس الى حجم التحديات والمشكلات التي سوف تواجهها. وهو عمر لا يكفي لتحقيق الكثير من طموحات وامال وتوقعات المواطنين. لكن سيكفي ان نجد الحكومة تضع اقدامها في الطريق الصحيح بناء على بوصلة الدولة الحضارية الحديثة.
قلت في منشورات سابقة ان بامكان رئيس الوزراء ان يضع منهاجا وزاريا يتضمن ثلاث حزم من المهام، عاجلة ومتوسطة وبعيدة. لكن المهم ان تحكم هذه الحزم الثلاث رؤية موحدة هي نموذج الدولة الحضارية الحديثة التي ستشكل البوصلة التي تسترشد بها الحكومة، بحيث تكون اجراءات المهام العاجلة والمتوسطة والبعيدة خطوات محسوبة نحو نموذج الدولة الحضارية الحديثة.
اضف تعليق