نعم ستُقدم الكابينة الوزارية لكن الأصعب والاهم من ذلك، هي كيفية شق الطريق وتوفير البيئة الصحية لعمل هذه التشكيلة، ولا نريد ان نحمل الامر ما لا يتحمل، لكن الحقيقة واضحة للعيان، وظروف اختيار السوادني ليست بالظروف المثالية، فهو جاء بعد مخاض استمر لأكثر من عام، السؤال الأبرز هنا، هل سينجح السوداني في مسعاه؟...
بعد دقائق من تكليفه بتشكيل حكومة العراق الجديدة، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني: "أَعِدُ العراقيين أنْ أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية بأقرب وقت، وأنْ تكون حكومةً قويةً وقادرةً على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار وبناء علاقاتٍ دوليةٍ متوازنة".
هذه الكلمات قالها جميع من سبق السوادني بنفس هذا اليوم ولنفس المناسبة، بينما ذهب الكثير من المكلفين الى وضع قوائم تحتوي على بنود من الإصلاحات في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وغيرها ما يتعلق بالفرد العراقي، وعندما تستمع لما قاله السوداني بوقت سابق في احدى اللقاءات التلفزيونية، تعرف انه شخص لم يفق من حلم وردي يريد تطبيقه على ارض مليئة بالمفاجئات، ولم يدرك انه سيكون مجرد أداة تحركها أطراف لاعبة منذ عقود في الحقل السياسي.
وليس المفاجئات وحسب، بل هي ارض خصبة لنمو المتغيرات، وما يميز الأحزاب والكتل السياسية في العراق هو عدم الثبات على موقف عند اصطدام المصالح، ومن الممكن جدا ان ينقلب الشخوص الذين وعدوا السوداني بمساندته على تنفيذ برنامجه الحكومي هذه من جهة.
ومن جهة أخرى عليه (السوداني)، الا ينسى الغريم التقليدي للإطار التنسيقي السيد مقتدى الصدر، فهو لغاية الآن يفضل الصمت إزاء ما يحدث في العلن من اختيار رئيس للجمهورية غير متوافق مع رغبته، والأخير كلفه لتشكيل الحكومة المقبلة، ومن الممكن ان يخرج الصدر عن سباته الغامض ويشحن لنا الأجواء بأسلوب اعتراضي جديد يختلف عن الأساليب السابقة.
ربما من يرى ابتسامه السوادني عند خروجه من قاعة مجلس النواب يغبطه على ما حصل عليه، ولكن هذه الابتسامة خلفها آلاف الحسابات، وضرورة إيجاد المفاتيح لضمان التوافقات، وتحقيق ما وعد به، وهو ان يكون عند حسن ظن العراقيين عبر تقديم كابينة وزارية بأقرب وقت ممكن.
نعم ستُقدم الكابينة الوزارية لكن الأصعب والاهم من ذلك، هي كيفية شق الطريق وتوفير البيئة الصحية لعمل هذه التشكيلة، ولا نريد ان نحمل الامر ما لا يتحمل، لكن الحقيقة واضحة للعيان، وظروف اختيار السوادني ليست بالظروف المثالية، فهو جاء بعد مخاض استمر لأكثر من عام، تصاعدت خلاله الازمة والتوترات السياسية.
انسحابات واستقالات وتحالفات فريدة من نوعها، يدعي أصحابها سعيهم وهدفهم هو إجهاض الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحولها الى منافذ إيراديه وليس أبواب لتقديم الخدمات السياسية.
السؤال الأبرز هنا، هل سينجح السوداني في مسعاه؟
الجواب دون تردد ولا يحتاج الى تأمل، لا يمكن ان ينجح في الفترة القادمة، وعدم النجاح يأتي من أسباب كثيرة، أولها غياب الشريك الاستراتيجي عن العملية السياسية، فالكتلة الصدرية وان كانت غير متواجدة داخل قبة البرلمان، لكن لا يمكن تجاهل تأثيرها في المشهد، وإذما أراد السوداني التوازن داخل حكومته، عليه فتح نافذة جديدة للحوار مع الصدر ليكون له تمثيل في الحكومة القادمة.
من دون هذا التمثيل سيكون الأساس الذي بنيت عليه عملية تشكيل الحكومة، آيل للسقوط بأي لحظة، اما السبب الآخر من أسباب التلكؤ المتوقع هو ان الظروف التي تم فيها التكليف لا تختلف مطلقا عن الأجواء التوافقية التي كانت تحصل في الحكومات السابقة، وهنا سيكون العمل محاط بكمية كبيرة من المحاذير والموانع من الوصول الى المبتغى.
تكليف السوداني يعني انتصار لقوى طالما حُسبت على جهة دولية دون أخرى، فهو مرشح لكتلة تؤمن بسياسة أحادية الجانب، ولا تعير أهمية للتوازنات المنطقية، فمن المتوقع وقد يكون من المؤكد ان يعود العراق الى زمن الحكومات التي انزوت الى محور الشرق، يقابله الابتعاد عن محور الغرب، وبالنتيجة تبقى سياسة تصفية الحسابات هي الطاغية.
لا يخفي السوداني رغبته بأن تكون حكومته قوية وقادرة على بناء البلد وخدمة المواطنين، الى جانب حفظ الامن والاستقرار، لكن ما لا يرغب التطرق اليه والحديث فيه، هو إيقاف إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء بالتزامن مع عقد الجلسات الحساسة، التي ينتظر الخروج منها بقرارات مصيرية تهم البلد ومصلحته العامة.
حفظ الامن والاستقرار إيها الرئيس لا يتحقق، بهذه الطريقة، ومن يملك السلاح غير القانوني، هو من اوصلك الى كرسي الحكم، وفي حال الالتفاف عليه او محاولة التخلص منه، سواء من قريب او بعيد، سيكون مصيرك بيده والهلاك حتما، إذا انتهينا من عدم تحقيق هذه الغاية وهي في الأساس من الغايات النبيلة والخطوات الجريئة اذما تم الاقدام عليها.
الامن في العراق ارتبط منذ سنين بعلاقة وثيقة بالتفاهمات السياسية، وهنالك علاقة طردية بين الاثنين، كلما زادت التوافقات، كلما استقرت الحالة الأمنية في عموم البلاد، والعكس صحيح، وبذلك يكون من الصعب تحقيق الاستقرار الأمني والأجواء تغلي في المرجل السياسي.
المرحلة القادمة ستكون فرصة أخرى وأخيرة لقوى الإطار التنسيقي من اجل إعادة الثقة المفقودة بخطواتها السابقة، وسيكون السوداني هو الأداة التي ستنفذ هذه المنهجية المستقبلية، ففي حال أدركوا جميعا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وتمكنوا من تحويل الهزيمة الانتخابية الى انتصار انجازي، سيثبتون حنكتهم السياسية وبعدهم الاستشرافي، اما في حال استمرت بذات التخبط المعهود فعليها ان تجلب مسامير النعش الذي سينقلها الى مثواها الأخير خارج العملية السياسية في السنوات القادمة.
اضف تعليق