ستفقد أجزاء كبيرة من البلاد هويتها وخصوصيتها السكانية فلم نعد نرى سكان الاهوار الأصليين يتجولون في الاروقة وهو ما يعني غياب العنصر البشري المحرك والمولد للحياة فيها، وبالتأكيد سيكون ذلك على حساب انحسار تربية الحيوان وصيد الطير والاسماك الذي يعتبر ثروة وطنية لا يمكن التقليل من شأنها...
كانت مذخرا غذائيا لملايين البشر عبر ما تملكه من خزين من الطير والمواشي، وكانت أيضا ملاذا للفقراء الذي اصابهم الفقر لتسد رمقهم وتلبي احتياجاتهم اليومية من مأكل وملبس وغير ذلك، اما اليوم فلم تعد اهوار الجنوب العراقي هكذا، بعد ان هاجمتها عاصفة الجفاف واجتاحت اغلب مناطقها، وتحولت ارضها الى قفراء غير صالحة للعيش، فمن المسؤول عن ذلك وهل ستعود اهوارنا الى رونقها.
يعزي الجانب الحكومي المشكلة الواقعة في الاهوار الى تقليل حصة الاطلاقات المائية من دولة المنبع وتحديدا تركيا بنسبة 80%، فيما يكرر الجانب التركي ذات الأسباب التي دفعت هذه المشكلة الى ان تطفوا الى السطح مجددا، اذ تتمثل هذه المعوقات بهدر كميات كبيرة من المياه في المبازل والانهر العراقية.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت في السابع عشر من يوليو/ تموز 2016 على إدراج الأهوار ضمن قائمة التراث العالمي، باعتباره محمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.
هذا الادراج وان كان متأخر الا انه اضفى أهمية أخرى غير ما تتمتع به المسطحات المالية في جنوب العراق من مكانة في نفوس أصحاب الأرض، ومع ذلك بقيت الاهوار تعاني من سوء الإدارة الحكومية وعدم الاهتمام بهذا الملف الذي يعتبر من الملفات الحيوية في بلد مثل العراق كان منغلقا على جيرانه ومحيطه الدولي.
فالأهوار اليوم تعتبر الشريان الحيوي للكثير من الفعاليات الثقافية المعبرة عن الموروث الحضاري لبلاد الرافدين، ونلاحظ اغلب البلدان المهتمة في تاريخ ومكانة موطنها تعطي مواقعها التاريخية والاثرية اهتماما كبيرا وتعمل على تصدريها الى العالم الخارجي، الا العراق فهو يتقاطع مع الجميع بهذه السمة.
من الأشياء الغريبة التي حدثت بالتزامن مع قدوم بابا الفاتيكان هي الاطلاع على مدن اثرية تعود لمئات الازمان لم نسمع بها من قبل نحن السكان المحليون، وبالنتيجة فقد غُيب هذا الجزء الثمين من الإرث الحضاري الوطني، وبالتأكيد ينخرط عين الامر على اهوار جنوب العراق التي تحمل بين طياتها كل ما يمت للجمالية ممزوجا بعبث الماضي وذكريات الأجداد.
لكنها وبفعل عمليات التعرية والجور الكبير الذي وجه اليها من قبل الأنظمة الحاكمة تحولت الى ارض خربة فاقدة لجميع عناصر الجمال والتكامل مع الظروف البيئية الأخرى التي تعتبر من ضروريات ديمومة الحياة فيها، وهي اليوم تمر بأسواء حالاتها ولا يمكن النظر اليها باعتبارها من الأماكن الاثرية المهمة في البلد.
منذ مطلع العام الجاري ارتفعت نسبة الجفاف في المناطق المذكورة وفقا للأسباب التي سبق وذكرناها في السطور الأولى، مما أدى الى هجرة مئات الاسر الى مناطق أخرى من البلد والتي تمتلك مقومات الحياة الضرورية، وعلى الرغم من انجبار اغلب الاسر على ذلك الا انه يحمل الكثير من السلبيات، أولها التغيير الديموغرافي الذي سيحصل بتقادم الأيام.
اذ ستفقد أجزاء كبيرة من البلاد هويتها وخصوصيتها السكانية فلم نعد نرى سكان الاهوار الأصليين يتجولون في الاروقة وهو ما يعني غياب العنصر البشري المحرك والمولد للحياة فيها، وبالتأكيد سيكون ذلك على حساب انحسار تربية الحيوان وصيد الطير والاسماك الذي يعتبر ثروة وطنية لا يمكن التقليل من شأنها.
الجانب الحكومي لا يمكن التعويل عليه بمثل هذه المسائل، فهو بالأساس من أوصل اهوار جنوب العراق الى هذه الشاكلة، كان من المفترض ان تضع الحكومات المتعاقبة وعلى الأقل بعد قرار ضمها للائحة التراث العالمي، ان تضع قواعد وخطط منهجية لإنعاش هذا المرفق الاقتصادي والاثري الحيوي، كأن يكون منع الأهالي من الهجرة المستمرة على مدار العام بسبب قلة الموارد فيها.
ولا يتحقق ذلك الامر بهذا المستوى من الاهتمام الفقير والذي لا يساوي حجم التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه المناطق الواسعة من بلاد الرافدين، اذ يتوجب منح ساكني هذه المناطق امتيازات وحقوق تجبرهم على البقاء والعمل على استثمار مناطقهم بالشكل الذي يليق بما تملكه المساحات المائية من ارث عريق.
اضف تعليق