q
بعد هذه الواقعة لابد من قيام هيئة الزاهة الوطنية بصفتها الجهة الرقابية الوحيدة التي يحق لها مراجعة القعود والتعاملات المالية الحاصلة في البلد منذ سنوات مرت والى الآن، فلا يكفي قيام شركة بوابة عشتار بإسقاط الدعوى وكأنها هي صاحبة الفضل على العراقيين، بل هنالك ضرورة ملحة لمتابعة الامر بحيثياته المختلفة...

لم نسمع من قبل باسم مدير مصرف الرافدين الأسبق حسين علي محيسن، ولم نعرف ما هي المهام الموكلة اليه قبل انتشار اخبار الفضيحة المالية التي تسبب بها للمصرف، ومقتضاها دفع غرامة مالية لشركة بوابة عشتار للدفع الالكتروني على خلفية نقض المصرف العقد المبرم بين الطرفين بداية عام 2021.

وتعود شركة بوابة عشتار الى شخص يدعى علي غلام الذي أسسها في تموز من عام 2019، ومنحت الترخيص من قبل البنك المركزي في تشرين الثاني سنة 2020، وهنا حدثت المفارقة الكبيرة، اذ تقول وسائل إعلام عراقية إن البنك المركزي كان قد أصدر قرارا بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة سنة 2013 لعلي غلام هو و11 رجلا من رجال الأعمال عقب تورطهم في العديد من الجرائم الاقتصادية.

ويبرز السؤال الأهم حول السر الذي يقف وراء منح شركة بوابة عشتار هذا الحق في ظل الشبهات الكبيرة التي تحوم حول مؤسسها وعلاقته بالجرائم والمخالفات الاقتصادية الخاصة في هدر المال العام؟

علامة تعجب!!!

نحتاج هنا الى ألف علامة تعجب تتعلق بأمر هذه الشركة وما علاقة مالكها بالجهات المتنفذة التي مهدت الطريق لإتمام هكذا نوع من التعاقدات التي تعتبر من التعاملات المشبوهة في البلد وتتسبب بهدر المال العام والتفريط فيه، وبحسب الجهات القانونية المختصة فأن العقد لم يكتمل الأركان لنقصه توقيع البنك المركزي ووزارة المالية العراقية، وبالنتيجة فهو يعتبر لا غي ولا قيمة له.

والاشكالية التي يتم طرحها هنا هي كيف تجاوز العقد المبرم البوابات القانونية المتوافرة في الجهات المالية والرقابية في البلد؟، اليس فمن واجب هذه الجهات هو التدقيق والبحث لسد الثغرات التي يتضمنها العقد وتجنيب الحكومة العراقية المزيد من الخسائر والمتمثلة بمبلغ 600 مليون دولار امريكي؟، أي ما يعادل موازنات دول متعددة.

امر خطير

الامر الخطير الآخر هو ان نوع العقد هو تزويد المصرف بعشرة آلاف صراف آلي مجاني، وخدمات أخرى وتغيير البنية التحتية الخاصة بالدفع الإلكتروني، بمدة قوامها عشرون عاما، وبشرط جزائي قدره 600 مليون دولار إذا نقض العقد من قبل المصرف في السنوات الخمسة الأولى بعد التوقيع، و500 مليون دولار للخمسة الثانية و400 مليون دولار للثالثة و300 مليون دولار للسنوات الأخيرة من العقد، وبذلك يكون العقد قد خنق المصرف بمبالغ طائلة طيلة العشرون عاما المدة الكلية للعقد، علما ان الشركة لديها في رصيدها سبعة مليارات دينار عراقي!

تحرك خجول

لقد تعودنا على التحركات الخجولة من قبل الجهات الحكومية صاحبة القرار، ففي خضم الموجة الإعلامية الكبيرة وردود الفعل الشعبية على الواقعة الموصوفة بكارثة العام، بقي الاجراء بسيط ولا يتناسب مع حجم المصيبة، فقد تم معاقبة المدير العام الأسبق لمصرف الرافدين بسحب يده واحالته على التحقيق، وكالعادة سيجمد الموضوع بعيدا عن صفيحة الجمهور التي تغلي لما يتعرض له المال العام من نهب متواصل.

والشيء الأكثر إيلاما هو الصدفة التي تسربت فيها الوثائق للرأي العام، فلو لم تطلع وسائل الإعلام على تفاصيل العقد والوثائق الرسمية لبقي الامر طي الكتمان، ولا يوجد من لديه الغيرة والحرص على أموال الشعب، وقد مر الموضوع بسلام وتمت عملية الدفع وتغريم المصرف بهذه الصورة المجحفة بحق المؤسسة المالية في البلاد وحق المواطنين من أبناء الشعب.

عفو مدروس

العفو او التنازل الذي صدر من شركة بوابة عشتار في الساعات الأخيرة، لم يكن بحسن نية من قبل مالكها، فهو ومن يقف خلفه يعي ان الموضوع قد يأخذ منحى آخر وقد تطال النار المستعرة المتنفذين الكبار الذين سهلوا جميع ما يتعلق بالعقد ومجرياته، ولذلك كان تقديم التنازل عن مبلغ الغرامة والذي صادقت عليه محكمة البداءة في رئاسة محكمة بغداد الرصافة يعتبر من الخطوات الذكية لتجنب الصدام مع الرأي العام بعد ان خسرت الشركة حربها في الإعلام.

وتشير أيضا هذه الخطوة الى ضلوع رؤوس متنفذة كبيرة في الدولة العراقية بالتورط في إتمام صفقة الفساد التي لا يعلم بحجمها وحجم الأموال المهدورة فيها الا الله، ومن الممكن ان يهدأ صراخ الشارع الممزوج بالتغطيات الإعلامية بعد هذه التهدئة التي اعتمدتها الشركة ومن يحركها في الخفاء.

مطالبات مشروعة

بعد هذه الواقعة لابد من قيام هيئة الزاهة الوطنية بصفتها الجهة الرقابية الوحيدة التي يحق لها مراجعة القعود والتعاملات المالية الحاصلة في البلد منذ سنوات مرت والى الآن، فلا يكفي قيام شركة بوابة عشتار بإسقاط الدعوى وكأنها هي صاحبة الفضل على العراقيين، بل هنالك ضرورة ملحة لمتابعة الامر بحيثياته المختلفة ومعرفة من تسبب بهذا الخرق القانوني الكبير الذي كان قد كبد العراق أموالا طائلة لولا رحمة الله وكشف الامر مبكرا.

ومعرفة الجهة التي تقف وراء هذه الفضيحة، قد يقودنا الى ملابسات واحداث قديمة في حال اكتشافها ستجنب البلاد مزيدا من الخسائر، وتطلع الرأي العام الجماهيري على الجهات المتسببة بضياع حقوق العراقيين ونهب المال العام الذي بسرقته والهيمنة عليه خلف الكثير من العاطلين عن العمل وحولهم الى فقراء يشحتون على أبواب المسؤولين طمعا بفرصة عمل بسيطة.

اضف تعليق