في غياب البعد الديمقراطي والتطور الاقتصادي المتوازن بين الجهات وانتشار المحسوبية واشتداد الديكتاتورية وسلطة المال في المجتمع يتكاثر عدد المهمشين في الأرض والمتروكين لرحمة السماء والمنبوذين حتى يصبح عددهم بتعداد جيش عرمرم. وبما أن الديكتاتورية لا تعرف غير العصا الغليظة لقهر المهمشين في حال مطالبتهم بحقوقهم وتكميم...
كثيرا ما تكون الحواشي مقدمة للأشياء وعنوانا لما بالداخل من تفاعلات تغيب عن الناظر المتعالي عما هو بسيط ومرمي على قارعة الطريق.
وكثيرا ما تحدد مصير الشعوب بما يعتمل ويتفاعل في قاع المجتمعات وعالم المهمشين في دهاليز البؤس والفقر والتعاسة.
فلا يمكن للبورجوازية المتحالفة أساسا مع السلطات الحاكمة والتي تعيش في النعيم أن تثور على نفسها وتنقلب على ولي نعمتها وهي تعرف جيدا أن ريع الثورات وإن حدثت سيكون خراجها لها لا محالة.
والمهمشون في المجتمع فئات متعددة وغير متجانسة تعيش على الهامش ولا تجد حظها في القوالب المجتمعية الجامدة والتي يغلب عليها النفاق والدجل والمحسوبية والشللية والانبطاح الغريزي للسلطة حتى وإن كانت جائرة وفاسدة.
فمن بين المهمشين نجد المبدعون الحقيقيون في شتى المجالات كالشعر والأدب والرسم والمسرح ونجد السياسيون التواقين للحرية والعدالة ونظافة اليد كما نجدهم في الإدارة رافضين المناصب والكراسي وبيع الضمائر وهم كذلك في دنيا العلوم مبحرون.
وتنتمي لفئة المهمشين جحافل المنبوذين من المجتمع بفعل التطورات الثقافية والسياسية والاقتصادية كالبطالة والاختلاف في الرأي وإقصاء المعارضين للسلطة وكل من لا يمشي في ركابه.
وفي غياب البعد الديمقراطي والتطور الاقتصادي المتوازن بين الجهات وانتشار المحسوبية واشتداد الديكتاتورية وسلطة المال في المجتمع يتكاثر عدد المهمشين في الأرض والمتروكين لرحمة السماء والمنبوذين حتى يصبح عددهم بتعداد جيش عرمرم.
وبما أن الديكتاتورية لا تعرف غير العصا الغليظة لقهر المهمشين في حال مطالبتهم بحقوقهم وتكميم أفواههم والتضييق عليهم وقتلهم بالحياة فلا مفر لهم إلا البحث عن وسيلة تخلصهم من هذا الغول الجاثم على رقابهم.
وإن الثورات وتاريخها القريب والبعيد يرصدان بوضوح الدور الفاعل لهذه الفئة المهمشة في التغير الاجتماعي والتقدم بالمجتمع الإنساني نحو غد أفضل أكثر عدالة وحرية.
فلا يمكن أن نشعل النار بدون قش يابس وحطب متروك هنا وهناك كما لا يمكن للثورة أن تنجح بدون المهمشين.
فالتضادد الموضوعي بين المهمشين وأصحاب الجاه والسلطة في ظل نظام ديكتاتوري قمعي وفاسد يولد بيئة مثالية لاندلاع الثورات والانتفاضات.
وبتغير القيم وانتشار الوسائل الحداثية والتعلم الذاتي أصبح للمهمشين معرفة بما يجري داخل منظومة النظام وقد استنبطوا وهم مبدعون بالفطرة طرقا جديدة للنضال وتعرية الواقع والتواصل فيما بينهم وأضحى حزبهم يضم الأغلبية بل باتوا الدولة بعينها وسلطة غير مرئية سيكون لها شأن عظيم في قادم الأيام.
فالديكتاتورية ودولة الفساد والمحسوبية والشللية هي خراب للمجتمع وإفساد للعقول وتهميش للمبدعين وتبليد للذكاء البشري وتقديس للتافه من الأشياء وإعلاء لمكانة الجهلة من القوم والمنبطحين وجمهور المنافقين والمتواطئين.
وبهذا الفعل المسطح يدخل إلى عالم المهمشين الأعداد الكثيرة من الناس حتى أصبح الهامش هو جوهر الموضوع ولب المسألة فأصبح التغيير ممكنا لا محالة.
وبما أن بقايا النظام السابق من الناحية المالية واللوجستية والتاريخية مازال قائما وقادرا على ركوب قطار الثورة الذي انطلق في البداية بسرعة البرق وها هو اليوم بدأ يتعثر في المنعرجات الملتوية ويبطئ في المنحدرات وكأن قوى خفية لا تريد له الوصول لبر الأمان.
فالدولة الحديثة والتي قوامها المواطنة والعدل والحرية والتي هي من أهداف الثورة المجيدة تتسع لجميع الفئات وتحترم الرأي المخالف وتعامل جميع الأفراد على قدم المساواة.
وفي نطاق هذه الدولة يتلاشى التهميش والإقصاء والمحسوبية والفساد فيكون عندئذ لجمهور المهمشين الدور الكبير في تحقيق أهداف الثورة لما لهم من قدرة على التغيير والتجاوز والإبداع وهم في الغالب من فئة الشباب والمثقفين والمفكرين والعصاميين.
وبعد أن كانوا عبئا ثقيلا على المجتمع وغير قادرين قسرا وبفعل فاعل على الإفادة والمشاركة في تطوير الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية لمجرد أن أطروحاتهم لا تروق للحاكم ولا تتماشى مع مخططاته الجهنمية التي انكشفت أسرارها أخيرا، سيصبحون قوة هائلة تدفع الدماء الجديدة في المفاصل المهترئة وتحقق الكثير من أهداف الثورة.
فالمهمشون في الأرض أبعدوا قسرا عن الفعل الإيجابي وقد أرادت السلطة القاهرة والنافية للآخر وأدهم تحت أكوام النسيان وتغييبهم في السجون والمنافي وقطع الأرزاق عنهم وشيطنتهم وذنبهم الوحيد أنهم جاهروا بمعارضتهم للفساد وحبهم للحرية والعدالة الاجتماعية فأصبحوا من المارقين المنبوذين و''الحرامية'' و ''الأوباش".
فالمهمشون موضوعيا هم من أسس للثورة وناضل من أجلها رغم الفقر والخصاصة والسجون وقام بالإضرابات والاعتصامات وجابه الأخطار والرصاص الحي طيلة سنوات القحط والجدب وبالتالي مكانتهم محفوظة ومسجلة تاريخيا بمداد الذهب.
وهم كذلك من يصنع التاريخ والمجد للشعب دون طلب غنيمة أو منفعة فربما لا يصل أحدا منهم لسدة الحكم أو يتبوأ المناصب السامية وتلك ضريبة الشجعان في كل عصر وزمان.
اضف تعليق