السؤال الذي مازال محيراً حتى اليوم، لماذا اقمشة (البازة) مقلمة وليس سادة كما في قماش (الكودري)؟! ربما يكون لهذا الاختيار اسبابه، منها: كي تطرد (البازة) بألوانها المخططة الحسد وتشتت عيون الحاسدين فضلا على انها توحد الطبقات الاجتماعية، وتقلل الفوارق. وعادة ما يطير الطفل فرحاً حين يلامس جلده...
لا يحلو لعب الاطفال (الدعابل) و(الختيلان) و(التوكي) الا مع دشداشة وبجامة (البازة) القطنية المقلمة، لان هذا القماش دون غيره له القدرة على تحمل الشقاوة والمشاكسة وشق الزيج وانفراط الازرار كما يقال " لاتدور ازار للزيجه هدل".
هذه نتيجة طبيعية بعد كل معركة حول غنائم (التصاوير) و(الدعابل) و(الجعاب) التي يكون مصيرها خزانة (قوطية النيدو)، ولعل (خرخشتها) في الاذن كأنها رنين دنانير الذهب اثرهُ في نفوس الاطفال الذين يشعرون بالسعادة لزيادة كنزهم بعد كل معركة رياضية مع اقرانهم. ولكن هذه السعادة واسارير الفرح هذه لا تدوم لأنها تصطدم بتوبيخ ام البيت الحريصة على عدم تمزيق بجامات ودشاديش (البازة) وصمودها الى اكبر مدة ممكنة.
تحاول الام جاهدة اصلاح ما اخذته شقاوة الاطفال برقع الملابس بما تبقى من قصاصات الاقمشة التي عادة ما تحزمها خياطة المنطقة مع كل فصال يخرج منها، لأنها تدرك ان مصير إبداعاتها وحرفيتها العالية سيكون مصيرهُ التمزق عند اول طلة في (الدربونة)، وكي لا ترك الام حائرة، وهي تبحث عن رقعة مناسبة تداوي بها ما تم خرابه. بهذا العمل الاحترازي اختصرت الخياطة المسافة وسهلة المهمة في تكون الرقعة من نفس القماش، واحيانا تصوغ بما تبقى من قصاصات القماش (عركشينات) تزين الرؤوس، وتكمل الهندام، والاجمل ان هذه (العركشينه) تصبح وسيلة لإظهار الشجاعة والفروسية عندما يعمد الاطفال الى عضها بأسنانهم، وهم يتحدون اقرانهم في الغلبة والمصارعة والجري.
السؤال الذي مازال محيراً حتى اليوم، لماذا اقمشة (البازة) مقلمة وليس سادة كما في قماش (الكودري)؟! ربما يكون لهذا الاختيار اسبابه، منها: كي تطرد (البازة) بألوانها المخططة الحسد وتشتت عيون الحاسدين فضلا على انها توحد الطبقات الاجتماعية، وتقلل الفوارق. وعادة ما يطير الطفل فرحاً حين يلامس جلده هذا القماش السحري لطلق العنان لقدميه في الركض في (الدربونة) الترابية وهو يسحل بذيال دشداشته عبير جزيئات الغبار العالقة مع الماء.
اليوم اختفى قماش (البازة) وتحولت (دشاديشه) و(بجاماته) الى (تركسودات) و(جلابيات) البولستر الجاهزة، واسقطت عنها صفة الوانها المقلمة، واستعيضت بكتابات ورسوم اجنبية تحمل دلالات قد لا يعرف من يلبسها، ولكن التقليد وحركة السوق والموضة هي من تفرض نفسها على الاخرين وتسلبهم الاختيار. وفي حين انزوت خياطة المحلة وماكنتها (البرذر) في خانة النسيان بعدما اسعدت الاطفال وادخلت في قلوبهم الفرحة، وكانت خير انيس وسلوى لنساء الحي وهن يتحدثن عن شقاوة اطفالهن وهم يمزقون كل شيء جديد.
اضف تعليق