إذا كان انسحاب التيار الصدري من المسرح السياسي اعاد الكرة الى الاطار التنسيقي، فان كلامي يعيد الكرة الى الشعب والى المواطنين، وليس الى الطبقة السياسية التي اعتقد انها لا تجيد اللعبة، اذا صح ان نسمي، مجازا، عملية بناء الدولة الحضارية الحديثة، لعبة. والا فالامر ليس لعبة انما هو مصير بلد ومستقبل شعب...
كمواطن، لا يمكن ان أقدم دعمي وتأييدي لرئيس وزراء جديد لا يملك رؤية حضارية حديثة لبناء الدولة.
وتقوم هذه الرؤية-الشرط على اساسين هما:
الاساس الاول: منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري القادرة على تحقيق أفضل استثمار لعناصر المركب الخمسة (الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل). وتقاس الافضلية بقدرة الدولة على تحقيق نمو في انتاجية المجتمع (انتاج الثروة)، وبالقدرة على توزيع الثروة بطريقة عادلة. وهذان من شروط تحقيق السعادة. والسعادة هدف مشروع يسعى اليه كل انسان.
الاساس الثاني: توظيف العلم الحديث والتكنولوجيا الحديثة في مختلف المجالات، وخاصة في انتاج الثروة والادارة والخدمات... الخ.
ودليل امتلاك رئيس الوزراء المرشح لهذه الرؤية الحضارية الحديثة وجود استراتيجية شاملة للتعليم في البلاد، حيث ان بناء الدولة الحضارية الحديثة يبدأ بالمدرسة. والمدرسة ليست مباني فقط، وانما مناهج ايضا. وما لم تكن المدرسة في اول قائمة اهتمامات رئيس الوزراء فذلك دليل على انه لا يملك الرؤية المطلوبة.
اقول هذا وانا اتابع ما يتسرب من الكواليس عن الاسماء المرشحة لتولي منصب رئيس الوزراء. والاسماء تكشف عن نمط تفكير الطبقة السياسية. كما اتابع ما يصدر عنها من بيانات وتصريحات مثل بيان تحالف الدولة وتعليق ائتلاف النصر عليه. وكلها تكشف عن ان الطبقة السياسية تفكر في دائرة مغلقة ليس فيها منفذ يقود الى الدولة الحضارية الحديثة.
يتضح ذلك حين نحلل رؤية هذه الاطراف لطبيعة الازمة الراهنة. انها تعتقد، وفقا لبيان تحالف الدولة، وهو يعبر عن نمط تفكير كل الاطراف الاخرى، ان الازمة تكمن في الخلل في معادلة الحكم. وهذا خلل ليس فقط في معادلة الحكم، وانما في نمط تفكير الطبقة السياسية التي حصرت تفكيرها منذ عام ٢٠٠٣ بمسألة الحكم والحكومة.
وانا اقول ان الخلل في غياب نظرية بناء الدولة، وليس فقط في معادلة الحكم، واذهب الى ابعد من ذلك الى القول ان الخلل الاعمق هو في المركب الحضاري للدولة والمجتمع والفرد، وفي منظومة القيم العليا الحافة بعناصر هذا المركب. وهذا هو اللامفكر فيه من قبل الطبقة السياسية الراهنة، التي تصر من جانب اخر على عدم الاستماع الى القول واتباع احسنه. واحسن القول هو ما يكشف عن الخلل الحقيقي او السبب الحقيقي للازمة.
انا لا اقول ان على رئيس الوزراء الجديد ان يحقق الدولة الحضارية الحديثة في ليلة وضحاها. فهذا غير ممكن من الناحية الواقعية والعملية. لكني اشترط ان يملك هذا الرجل (او المرأة) وحكومته الرؤيةَ الحضارية الحديثة لبناء الدولة بحيث تكون اجراءاته وخطواته العملية متصلةً على نحو عضوي بفكرة الدولة الحضارية الحديثة. وهذا شرط غير متوفر في اطروحات الاطراف المختلفة للطبقة السياسية الراهنة بلا استثناء.
ان الحقيقة التي اعتقد بها هي انه لا يمكن الخروج من الازمة الراهنة الا بأدوات من خارجها، واعني بذلك وجود فريق اخر يملك رؤية حضارية حديثة لبناء ألدولة والانسان والمجتمع.
اذا كان انسحاب التيار الصدري من المسرح السياسي اعاد الكرة الى الاطار التنسيقي، فان كلامي يعيد الكرة الى الشعب والى المواطنين، وليس الى الطبقة السياسية التي اعتقد انها لا تجيد اللعبة، اذا صح ان نسمي، مجازا، عملية بناء الدولة الحضارية الحديثة، لعبة. والا فالامر ليس لعبة انما هو مصير بلد ومستقبل شعب.
والامر يتوقف على الشعب والطليعة الواعية من مثقفيه ومفكريه وعلمائه الذين يتعين عليهم رفع راية التغيير الحضاري والبناء الحديث للدولة، بطريقة مدروسة وعلمية وسلمية تستفيد من الممكنات الالية المتوفرة من اجل الانتقال بالبلد من حالة اللادولة وانعدام الوزن الى حالة الدولة الحضارية الحديثة تدريجيا.
اضف تعليق